ورقة ألقيت في منتدى جريدة الاتحاد الثاني عشر في 19 أكتوبر 2017 بأبوظبي
* الكلمة الصوتية
منصور النقيدان
المقدمة
في هذا الشهر أكمل ست سنوات مع جريدة الاتحاد، التي احتضنتني فيها وجهات نظر بعد انقطاع لشهور ثمانية عن الكتابة إثر حيرة ألمت بي مع بدايات الاضطرابات التي عمت العالم العربي في أوائل 2011، ، فعبر جريدة الاتحاد ومن خلال أكثر من ثلاثمئة مقالة كنت أعيش مواسمي، فصول الحيرة والقلق والشكوك والخوف والفخر أحياناً والشعور بالعلو والانكسار، وجلد الذات، والغرقفي التاريخ والحنين إلى الماضي الجميل، ومنذ يونيو الماضي ومع بداية الأزمة الخليجية كنت أمر بدوامة جديدة من الحيرة، أكثر من أربعة أسابيع لم أكتب فيها شيئاً، كنت غارقاً في أحزاني، وحيرتي، ثم بدأت أتماسك وأتلمس الطريق، لقد سمحت وجهات نظر لي أن أبث شكوكي، وأعبر عن حيرتي، وأنفث كلمات خجلى من الخوف على مستقبلنا، وأتاحت لي الفرصة عبر مقالتين كنت شبه موقن أنهما لن يريا النور بأن أكون قاسياً على وسائل الإعلام وعلى نفسي وزملائي.أنا ممتن لجريدة الاتحاد.
ولأنني واحد منكم أيها الكتاب والإعلاميون فإنني أشارك وأكتب وأعلق في وسائل الإعلام الخليجية حول مايجري، فإن هذه المقدمة ذات صلة مباشرة بما سأعرضه في الدقائق التالية.
منذ سنوات كلما شاركت في المنتدى كان يصحبنا زميلان قطريان هما عبدالحميد الأنصاري وأحمد عبدالملك، الأزمة الخليجية القطرية حالت دون استمرارهما في الكتابة في جريدة الاتحاد، ولهذا هما اليوم غائبان.
يمكننا وصف هذين الزميلين بأنهما يمثلان حالتين صادقتين للمثقفين القطريين.
لم يكن لهما منذ سنوات بعيدة أي حضور إعلامي يذكر داخل قطر. عبدالحميد الأنصاري واحد من ضحايا تعاظم نفوذ القرضاوي والإخوان المسلمين في قطر، كان عميد كلية الشريعة في جامعة قطر، وربما بدا وحيداً وغريباً حين كان أحياناً في السنوات الأولى من الألفية الثالثة يشير إلى الدور المدمر للإخوان المسلمين. كمثقف قطري كان على الدوام في موقع صعب في محاولته المكلفة نفسياً وسياسياً أن يتوازن. الآن يرسل إلي الأنصاري روابط لمقالاته في جرية كويتية. وأرد عليه جواباً مشجعاً ولكنه مشوب بالألم والأسى.
أما أحمد عبدالملك فقد سعى مع اثني عشر أكاديمياً قطرياً لعقد صالون يتناولون فيه قضايا الإصلاح في قطر، وجمعت هذه الأوراق في كتاب نشر تحت عنوان : (الشعب يريد الإصلاح في قطر أيضا). طبع الكتاب في لبنان العام 2012، وفي منتدى سابق لجريدة الاتحاد سألت أحمد عبدالملك عن مصير الكتاب، قال لي: أحضرنا مئة نسخة وصودرت في مطار الدوحة، وحصلت على نسختين فقط.
كلاهما اليوم ينشران في صحف خليجية وكلاهما اتخذا موقف بلدهما، أحمد عبدالملك يبدو أكثر حماسة، ومقالاته أكثر مباشرة ومساساً بتطورات الأزمة، بينما يعمد الأنصاري إلى الكتابة قدر مايستطيع عن قضايا أخرى. وكلاهما ملتزمان بوصف المقاطعة الخليجية بالحصار.
يمكننا أن نلمس غياب زميل أو زميلين أيضاً كانا معنا في العام الماضي.
يمكن اختزال حال غالبية الكتاب والإعلاميين الخليجيين بالخوف، الخوف من أن لانفهم كما نحب أن نظهر، والخوف من أن لانتخذ المواقف الأكثر حماسة، الخوف من أن نبدو أمام من يحترموننا من الصحفيين الأوربيين والأمريكيين وكأننا أبواق، والخوف من أن نكون في نظر الداخل وفي عيون قياداتنا متهاونين مهادنين، الوجل أن نحتسب أقلَ وطنية، وأقل ولاء، أو أقل بهجة وغبطة إزاء ماتتخذه حكوماتنا وقياداتنا السياسية من قرارات، الخوف من أن لانكون في صدارة المعلقين والكتاب والمثقفين الذين يشار إليهم بالبنان، الخوف من أن ينافسنا قادمون من أقصى المدينة يطيحون بنا ويحتلون مكاننا.
الخوف هو مايقتلنا ويحول بيننا وبين رؤية الأشياء كما هي، يلجم ألسنتنا وأقلامنا عن أن نفصح ونتحدث عما نحن عليه ومايجب أن نكونه.
هذه الورقة والشرائح التالية محصورة بما أذاعته ونشرته وبثته وسائل الإعلام الخليجية، وعلى الأخص وسائل الإعلام السعودية والإماراتية. وهذه الورقة قامت على استعراض وتحليل أكثر من 103 من المواد الإعلامية مابين مقالة وتقرير وبرنامج حواري ووثائقي وتفصيلها كالتالي:.
13 مادة بثتها سكاي نيوز عربية، 4 مواد من تلفزيون أبوظبي القناة الأولى ومن قناة أبوظبي الرياضية، 6 مواد من تلفزيون الشارقة، و10 مواد عبارة عن مقالات نشرتها وسائل إعلام إماراتية ناطقة بالإنجليزية بمنا فيها جلف نيوز، 33مادة صحفية من الصحف السعودية الشرق الأوسط، عكاظ، الرياض، وغيرها. 5 برامج بثتها قناة العربية، 2 من البرامج على القناة الإخبارية السعودية، و4 برامج بثتها قناة ال MBCالأولى.
ومن الإعلام القطري 14 مادة بثتها الجزيرة مابين برنامج حواري ولقاء وتقرير ووثائقي، 4 مواد من الجزيرة الإنجليزية، 6 مواد من تلفزيون قطر، و2 من تلفزيون العربي الجديد.
يمكن اعتبار الميدان الإعلامي في الأزمة الخليجية الأخيرة مشهدًا لواحدة من أهم جولات المعركة، لانطلاق الأزمة عبره من جهة، ولكون الوجه الأبرز للخلاف بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة، والإعلام القطري الرسمي أو الممول من الدوحة اعتمد على خلفيات أيديولوجية وأخلاقية لا يسفر عن حقيقتها سوى الجدال الإعلامي.
وكانت المقارنة بين القنوات الممثلة لوجهة نظر التحالف (الدول المقاطعة للدوحة) وبين ماهو ممثل أو تابع للدوحة غير عادلة في ظل وجود شبكة قنوات الجزيرة والاستثمار الطويل لقطر والإخوان والقوميين العرب فيها، مع وجود قناة الجزيرة الإنجليزية تصبح المسألة أكثر ظلمًا لعدم وجود ما يكافؤها. ولكن ذلك لم يكن نهائيًا خاصة مع تطوّر الإعلام الرقمي وتعدد القنوات، وعملية فرز المتأثرين.
إعلام الدول المكافحة للإرهاب والإعلام القطري: المضمون والمتلقي
الظاهر من مضمون إعلام دول التحالف الثلاث وجود أربع رسائل أساسية بخصوص قطر: الأولى: قطر تدعم الإرهاب. الثانية: قطر خلقت فوضى في المنطقة. الثالثة: لا يُمكن الثقة بقطر فهي تلعب على كل الحبال، وأن الحل في الرياض. الرابعة: عزل ومقاطعة قطر أمرٌ مسوّغ بل وضروري. والظاهر من مضمون الإعلام القطري وجود خمس رسائل رئيسة: الأولى هذا حصار وليس مقاطعة، الثانية: السعودية والإمارات تشقان الصف الخليجي، الثالثة الإمارات خلقت الفوضى في اليمن ومصر. الرابعة: السعودية والإمارات يريدان انتهاك سيادة قطر وهما أولى بالاتهام بالإرهاب، والخامس: السعودية والإمارات ومصر والبحرين يقمعون شعوبهم ويخافون من الحرية.
المستهدفون من هذه الرسالة هم: أوّلا: الرأي المحلي. ثانياً: الرأي الخليجي. ثالثاً: الرأي العربي. رابعاً: صناع السياسات في الغرب. خامساً: الرأي العام الغربي بهدف تأثيره على صنّاع السياسات وأيضاً لأغراض تعزيز القوة الناعمة.
فكيف أبلت هذه الرسائل؟
الرأي المحلي
هنا يُمكن القول بأنّ التحالف قد نجح في كسب الرأي المحلي، ولكن لا يُمكن قياس هذا بدقة بالنظر إلى غياب الجدل العلني في الموضوع.
وبالنسبة للدول الثلاث المكافحة للإرهاب تفاوت الأداء من حيث المحتوى، كان هناك برامج قدمت للمشاهد رسالة غنية ومحدثة، وبدرجة أبسط. بينما كانت أخرى تتبنى سياسة هجومية أكثر شراسة وارتباطاً بالأشخاص أحياناً، وبعضها كانت الأنجح في إيصال الرسائل السريعة والمؤثرة احتوت على آراء أكثر جرأة.
على الجانب القطري، كان برنامج الحقيقة على قناة قطر، هو البرنامج اليومي الأبرز الذي يبث بشكل ثابت ويتفرغ له مذيع واحد وفريق إعداد متناوب، ويحاول أن يتناول الأحداث اليومية بشكل دائم، وبأسلوب دفاعي ينتقي له أكثر من ضيف. وهو يمثل الرأي الواحد أيضًا، ويبدو أنه يمثل النواة لبقية البرامج، وتستخدم أفكاره حتى قناة الجزيرة. ويشارك فيه خبراء من كل القطاعات في قطر، وتشارك فيه المرأة القطرية أيضًا. ولا يلتزم بالوقت ما دام يخدم الأفكار. ويلاحظ أنه استمر لما يقرب مئة يوم ويتطور بشكل ملاحظ، من ناحية الضيوف ومن ناحية المقدم.
الرأي الخليجي
نجح إعلام الحلفاء (السعودية والإمارات خصوصاً ) في إظهار الوجه القبيح للسياسة الخارجية القطرية. فقد نجح في جعل الرسالتين الأولى والثانية مثار جدل، ووضع قطر في موضع الدفاع. وهنا لم يستطع الإعلام القطري أنْ يدفع التهمة عن نفسه تماماً. ولكن هذا النجاح جاء منقوصاً بسبب التركيز الإعلامي على الرسالة الثالثة وبشكل أخص على الرسالة الرابعة. فالرأي العام الخليجي كان بحاجة إلى وقت قبل التركيز على عدم الثقة بقطر أو على أنها تستحق المقاطعة. ولذلك لما فشلت قطر في الدفاع عن نفسها لجأت إلى أمرين: الأول: التباكي واعتبار أنَّ ما حصل مبالغة، وأنه قد يحصل لدول خليجية أخرى (عُمان، الكويت). الثاني: الحملة المضادة، وذلك بانتاج مادة مقابلة تربط بين كل من السعودية والإمارات وبين الإرهاب وبينهما وبين الفوضى في المنطقة. وقد انساق إعلام التحالف (السعودي الإماراتي) للرد على قطر في الأمرين، وهو ما شتت الرأي العام الخليجي. ونلاحظ تركيز قطر على الأبعاد “الإنسانية” للمقاطعة، والإصرار على استخدام عبارة “الحصار”… كل هذا لأنَّه أدخل الرأي العام الخليجي في جدل “إنساني” بعيد عن الجدل السياسي الأصلي. أي إنه للرأي الخليجي كان الأفضل التركيز على الرسالتين الأولى والثانية. وترك الثالثة والرابعة.
أمرٌ مهم نجح فيه التحالف، هو أنّه دفع الجزيرة لإظهار وجهها الحقيقي. فبعد أنْ كانت تتشدق بالمهنية وبالاستقلال عن حكومة قطر، فإنها ظهرت الآن وكأنها أداة تسيرها السياسة القطرية. هذا كان معروفاً للخبراء والمتابعين ولكن الآن ظهر بشكل فاقع لايمكن المغالطة حوله.
الرأي العربي
هنا يُمكن تكرار ما قيل عن الرأي الخليجي. ولكن هنا نقطة مهمة فاتت إعلام الدول المقاطعة المكافحة للإرهاب واستفاد منها الإعلام القطري، فقد تم التركيز على دعم قطر للإرهاب وترجمته بدعم قطر للإخوان المسلمين. في حين كان يجب التركيز على الفوضى التي خلقتها قطر في المنطقة. الإعلام القطري ركز رده على دفع تهمة الإرهاب عن الإخوان المسلمين، وتحوّل الجدل إلى موضوع أقل أهميّة بالنسبة للمشاهد العربي الذي تضرر بسبب قطر. للمشاهد العربي كان الأفضل التركيز على فوضى المنطقة بسبب قطر فقط.
لقد حاول الإعلام القطري المحافظة على رسالة وضعها في قالب أخلاقي؛ وحشد المشاعر الإسلامية، سواء في رمضان أو الحج، وكان لهما أثر كبير عند بعض المسلمين البعيدين الذين سمعوا التهمة ولم يتمكنوا من سماع الرد. كما أنّ محاولة تصوير القطريين للإمارات على أنها دولة تكافح الإسلام والسعي الدؤب لشيطنة شيوخها، ساعدهم في ذلك عناصر الإخوان المسلمين الذين لم يتوقفوا يومًا عن تشويه صورة القيادة.
خلاصة
-لكي يحقق إعلام السعودية والإمارات ودول التحالف اختراقاً أكبر في الرأي العام فعليه مضاعفة التركيز على الخطاب الشعبي أكثر من الكلام الدبلوماسي أو تصريحات السياسيين، بمعنى آخر إن كان وصف قطر بالإرهاب ودعم الإرهاب إستراتيجية قد تنجح دولياً في الضغط على قطر، فإن نجاحها في المنطقة العربية يتطلب دقة أكثر في توضيح معنى الإرهاب وفي التمييز بين ما يستوجب مخاطبة الجمهور الأجنبي به، وبين ما يستوجب مخاطبة الجمهور العربي. كما ويتوجب التعمق في عرض الأمثلة والشهادات ومقابلات مع ضحايا هذا الإرهاب … ألخ، أكثر من التركيز على نقل التصريحات السياسية لهذا المسؤول أو ذاك في وصف قطر بالإرهاب.
-يجب التفريق بين الرسالة الموجهة لمواطني دول الخليج وتسويقها على السوشال ميديا ضمن نطاق دول الخليج، وبين ما يمكن تسويقه ضمن منطقة بلاد الشام أو شمال أفريقيا. أي أن كثيرا من القضايا المرتبطة بالسياسات الأمريكية هي محل تحفظ ورفض لمواطني دول الربيع العربي، وبلاد الشام خصوصاً، وقد لا تكون كذلك لغالبية مواطني دول الخليج وهذا يتطلب مراعاة ذلك في السرد وطريقة عرض المادة.
-مصطلح الإرهاب يستخدم بكثرة دون تحديد التعريف ونطاقه، وهذا السياق محل تحفظ ورفض عند كثير من قطاعات المجتمع العربي، كما هو مدخل قوي جاهز للاستغلال والتوظيف من قبل أنصار الجزيرة والإخوان، ومفاده بأن الإعلام السعودي والإماراتي يشوه الإسلام ولا يفصل بين الإرهاب والجهاد أو حتى نضال الفلسطينيين.
انتهى
بإمكانكم الاطلاع على المحاضرة كاملة من خلال الملف أدناه