الإصلاح في السعودية يأتي بهدوء من الداخل
أصبحت المؤسسة الأمنية واحدة من أكثر المؤسسات تقدما في البلاد
تصنيف المملكة للإخوان المسلمين جماعة إرهابية يدفع المجتمع السعودي بعيداً عن التطرف.
جوزيف براودي
يحوي هذا السجن الكبير ذو الحماية و الرقابة الشديدتين حوالي 2680 سجينا، و يقع 25 ميلاً جنوب الرياض، ويضم كتباً ممنوعة عن المدارس العامة، وهذا يثير التساؤل ويوضح مدى الاختلاف بين وزارة الداخلية السعودية التي تدير السجون، و بين المؤسسة الدينية النافذة التي بسطت منذ عقود سيطرتها على التعليم و الثقافة في المملكة، وفي هذا التناقض الكبير نجد بعض الملامح الدالة على تغيرات قد تتبناها المملكة فيما يخص مستقبلها.
لا نجد في مكتبة السجن هذه مؤلفات لسيد قطب وغيره من كبار الإخوان المسلمين – و التي صنفتها المملكة منظمة إرهابية في شهر فبراير الماضي- ولكن نجد مؤلفات للشاعر والفيلسوف العربي الكبير الجاحظ، و كذلك لأبو فرج الأصفهاني،و كذلك كتب مترجمة الى العربية مثل “خطة طويلة الأمد للنجاح” للكاتب ديل كارنيغي. هذه الكتب تشكلّ تهديداً على التفسير العسير الخشن للإسلام والذي يفضله معظم رجال الدين في المملكة، ومنه توّلد فكر القاعدة. هذه الكتب و غيرها تقدّم للقرّاء تفسيراً شاملاً للإسلام ولثقافته، كما تساعدهم على اكتشاف أفكار أكثر تسامحاً تجاه اصحاب الديانات الأخرى. وتظهر على الكتب علامات تدلّ على الإقبال عليها.
إنّ هذه المجموعة من الكتب في جزء من خطة مدروسة بحذر لمكافحة الإرهاب والتي تجمع بين الإجراءات الأمنية الصارمة، ومحاولة تغيير مسار الفكر التكفيري. يحاول ضباط السجن التعبير عن حسن نوايا الحكومة تجاه السجناء، إذْ تمنحهم إدارة السجن زيارات زوجية، وتقدم لهم خدمات صحية و أقساماً للترفيه. يقضي بعض السجناء مدة 3 أشهر في مركز محمد بن نايف للمناصحة، وهو مركز خاص بالجهاديين العائدين من سجن غوانتامو. الطبيب النفسي عبدالله القرني يقول إنه نقل “تحليل التفكير الاجرامي” وهو تقنية علاج وإعادة تأهيل من الجامعة الكاثوليكية في تكساس، من أجل علاج الجانب النفسي من الارهاب. في المقابل يقوم رجل دين آخر ليوصل الرسالة الى السجناء بأن التفكير التكفيري خاطئ، مستنداً الى المبادئ القانونية في المذهب السنّي التي تقول إن ولي الأمر هو الوحيد الذي له الحق في إعلان الحرب. يقول المركز إن نسبة السجناء الذين يرتكسون ويعودون إلى التطرّف تبلغ حوالي 12%.
ولكن هناك عقبة أكثر صعوبة تقع على عاتق المملكة، وهي إصلاح التعليم والمؤسسات الدينية خارج السجون من أجل الوقاية من التفكير المسلح، فرغم الحكم الملكي المطلق في السعودية نجد أن النظام التعليمي هو أكثر اضطراباً وفوضى، خلافاً لوزارة الداخلية حيث يسود القانون الصارم. و في قلب المشكلة نجد المؤسسة الدينية المترسخة جذرياً والتي يسيطر عليها كبار رجال الدين الذين يدعمون التفسير البدائي للإسلام، و يقومون بترويجه منذ أجيال. يقول الدكتور القرني :” انظر إلى أوربا إبان العصور المظلمة حين كان البابا والكنيسة يتحكمون بمجريات الأمور، وسوف تفهم ما الذي يحصل هنا الآن”.
إنّ آراء القرني رغم ندرة انتشارها علناً على الساحة السعودية، تعكس توجهّاً يتقاسمه بعض الذين التقيتُ بهم، مثل أمين مكتبة السجن، وكذلك قيادة أكاديمية المباحث العامة – النظير السعودي لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي. هؤلاء جميعا يتشاركون في الرأي الذي يعبر عن خيبة الأمل من عدم تحملّ بعض الوزارات الأخرى مسؤوليتها في مكافحة التطرّف، وهذا أمر شاهدته في عديد من الدول العربية من خلال التحدّث مع رجال الأمن فيها: أن المؤسسات الأمنية تعد أكثر الوزارات تقدمّاً و اعتدالاً في البلاد.
ولكن هناك فرصة جديدة تلوح في الأفق تسعى إلى دفع باقي القطاعات بنفس الاتجاه، بعد الجهود الموحدة التي تقودها السعودية ضد الإخوان في المنطقة، فقد صنفت المملكة الأخوان منظمة إرهابية، وهذا الأمر سيعطي السلطات اليد العليا في إعادة تأهيل المؤسسات التعليمية والثقافية، سواء من حيث المناهج أو الكادر التعليمي، وفي هذا السياق بدأت وزارة الداخلية بتشجيع حوار عام حول الأنشطة الدينية والمخيمات التي تستهدف فئة الصغار.
وهذا لا يعني ان هذه التوجهّات قد بدأت توّاً من الصفر، فرغماً عن الإخوان كانت هناك دوماً مجموعة فتاوى صادرة من رجال دين سلفيين تميل إلى اللاعنف، على سبيل المثال: في الأشهر القليلة التي تلت اتفاقية أوسلو بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية، قام المفتي الشيخ عبدالعزيز بن باز بفتوى تبيح إقامة اتفاقية سلام مع اليهود تشمل البيع والشراء، و تعيين سفراء بما يدعم مصالح المسلمين. ومثال آخر في هذا الصدد، فإن المفتي الحالي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ الذي حرّم ردود الفعل العنيفة، وأعمال الشغب المميتة في ليبيا عقب صدور فيلم أساء إلى النبي محمد على موقع يوتيوب، أفتى بأنه “ليس من حق أحد أن يرتدي عباءة الدفاع عن الإسلام، لأن الإسلام ليس بحاجة الى الدفاع”. إنّ مثل هذه المواقف المعتدلة وغيرها عن النساء والأقليات، التي تصدر عن رجال دين ذي وزن في المملكة، تشكّل ازعاجاً لأكثرية رجال الدين، ولكنها تقدمّ قناة للأصوات المعتدلة التي تحظى بدعم كبير من الملك.
إنّ الجهود الأمريكية التي تحث السعودية على الإصلاح، تتجاهل و بدرجة كبيرة منظور التغيير والإصلاح من الداخل، و لكن من عمق النظام ، فإن هناك ملامح لجهود تسعى الى الإصلاح، وهذه الجهود تستحق الدعم و الثناء.
المصدر: مجلة مصالح أمريكية
3 أبريل 2014
رابط المقالة.
http://www.the-american-interest.com/articles/2014/04/03/saudi-reforms-rising-quietly-from-within/