منصور إبراهيم النقيدان
نشر في جريدة إيلاف الإليكترونية الجمعة 8فبراير2002
ونشر في الطبعة الدولية لصحيفة الوطن السعودية في نفس اليوم
مقدمة
قبل أحدعشرعاماً كنت مع عدد من الأصدقاء على متن سيارة في شارع التحلية في مدينة الرياض ، لحظ السائق أن خلفنا مباشرة “خواجة”.. وعلى الفور رجح أنه غير مسلم ، فبادر صديقنا السائق بمضايقته ثم إلجائه إلى حرف الشارع بطريقة مخيفة كادت أن تتسبب في حادث ، توقفنا بعدها أمام إشارة المرور، وبعد أن أضيئت إشارة السير تلبث صاحبنا قليلاً، فلما قاربت على الانطفاء حرك صاحبنا سيارته، والمسكين خلفنا يزمجر ويشتم . لم يكن صديقي يقصد من فعله ذلك إلا تطبيق ما تعلمه في الكتب التي تناولت أحكام التعامل مع غير المسلم والتي تذكر أن المسلم إذا لقي الكافر في طريق فعليه أن يضطره إلى أضيقه .. صحيح أن التضييق في عصر السيارة وبواسطتها أكثر خطورة، ولكن القياس على كل حال يبدو مقارباً.
رسالة فريدمان
في رسالة الكاتب الأميركي المعروف توماس فريدمان التي كتبها على لسان الرئيس الأمريكي جورج بوش، ووجهها إلى وزير الشؤون الإسلامية في السعودية منتقداً المناهج الدينية في التعليم، أثنى فريدمان على تصريحات اثنين من رموز المؤسسة الدينية في السعودية. وزير الشؤون الإسلامية الشيخ صالح آل الشيخ، وعضوهيئة كبار العلماء إمام الحرم المكي الشريف الشيخ محمد السبيل.
كانت صحيفة الرياض السعودية قد نشرت قبل ذلك لقاء مطولاً مع وزيرالشؤون الإسلامية، وقد تضمن اللقاء أفكاراً راقية وآراء معتدلة، اعتبرها كثير من المهتمين بالشأن الإسلامي مفاجئة. فللمرة الأولى تأتي تصريحات شخصية دينية سعودية بوزن الشيخ صالح آلـ الشيخ والذي يعد من علماء الشريعة الشباب بمثل تلك الصراحة والشفافية والنضج الفكري، مما نتمنى أن يكون له انعكاساته الإيجابية في خطط الوزارة وأنشطتها والمواصفات المطلوب توافرها في أعضاء الدعوة والإرشاد ومدى الوعي المطلوب ، وحتى لانحمل الوزارة أكثر مما يجب فإن إصلاحاً داخلياً جذرياً، وإعادة ترتيب البيت من الداخل أمر يتطلب بحبوحة من الوقت .
رسالة توماس فريدمان كان لها ردود الفعل المتوقعة، فقد نشرت صحيفة الوطن السعودية رسالة متخيلة على لسان وزير الشؤون الإسلامية الشيخ صالح آلـ الشيخ إلى الرئيس الأميركي، وكالعادة تتابع عدد من الكتاب على كتابة المقالات في الرد على تلك الرسالة متخذين أسلوباً خطابيا معتاداً في المنافحة عن المناهج الدينية، وتبرئتها من أي تهمة .
كما أجريت لقاءات وعقدت ندوات للتصدي للحملة الإعلامية الغربية ضد المناهج التعليمية في السعودية.. ومن الطبيعي أن أعظم تلك الردود كانت مفعمة بالحماسة مشبعة بروح التحدي، وبالغ البعض في ردة فعله حتى قال إنه لو تم تعديل أو تغيير المناهج الدينية فسيتولى هو نفسه تدريس أبنائه تلك المناهج…. بالتأكيد صفق له الجميع.
منذ 6 سنوات وعقيب تفجيرات العليا نادى عدد من المختصين بالتربية عبرعدد من الكتابات في الصحف السعودية بإعادة النظرفي المناهج الدينية . كانت تلك فرصة سانحة للمراجعة، ولم تؤخذ تلك التحذيرات من أصحاب القرار على محمل الجد، وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر…تبخر كل ذلك …وتلاشى تحت الضجيج…وانقلب بعض الذين نادوا في السابق بالإصلاح إلى موقف الدفاع والتبرئة؛ فالقضية قضية كرامة وسيادة!.
ظهر الارتباك، والحيرة على الجميع فالكل يريد أن يفعل شيئاً والكل لايدري ماذا يفعل! وتمثلت تلك الحيرة بالدورالمنتظر لعلماء الدين والمختصين بالشريعة، ومنهم شخصيات ساهمت في إعداد المناهج الدينية، أو في تخريج أفواج المختصين بالشريعة في الجامعات والمساجد التي تعتبر المحضن الحقيقي لتخريج العلماء وإعدادهم، وإنتاج نموذج المسلم المتدين . كثيرون لم يدركوا بعد ماذا يراد منهم، وإن كنا أصبحنا نسمع أثناء اللقاءات إثارة قضايا هامة كتسامح الإسلام مع أصحاب الديانات الأخرى، وعن الآخر والتعامل معه وفهمه. وعبارات منمقة اتسمت بالتعميم والإجمال ،يتضح عند الخوض في التفاصيل أن لاجديد فيها .
إذا كان البعض قد اعتبر أن رسالة فريدمان- مهما كان غرض كاتبها الذي لاتخفى نواياه وتوجهاته- أخطأت طريقها حينما وجهت إلى وزير الشؤون الإسلامية، وأنه كان من المفترض أن توجه قصداً إلى وزير المعارف. فنحن نعلم أن الدروس، والمحاضرات ،والدورات والندوات ، التي تقام في المساجد والمجمعات والمخيمات، ومئات الدعاة وآلاف الخطباء، يخضعون لإشراف وزارة الشؤون الإسلامية ، وبما أن المشايخ والدعاة والخطباءهم دائماً الأعلى صوتاً والأكثر حضوراً في وسائل الإعلام ، وهم أنفسهم الذين ساهموا مساهمة مباشرة وعلى مدى عشرين عاماً على الأقل في تشكيل نموذج المتدين، وهم الذين تولوا إدارة الدفة بعد الأحداث الأخيرة واستأثروا بوسائل الإعلام ، فأعتقد أنهم يمثلون طرفاً في المشكلة، وأن ثمة رسالة ينبغي أن توجه إليهم.
الولاء والبراء
من القضايا الهامة التي تعلمناها في مناهج العقيدة ومتونها في مساجدنا : مفهوم”الولاء والبراء” أو “الحب في الله والبغض في الله” و”الكفر بالطاغوت والإيمان بالله” تعلمنا أنه لايجوز البشاشة في وجه الكافر ولا إلقاء السلام عليه، ولا الميل القلبي إليه، تعلمنا أن السلف ذكروا أن بري القلم لغير المسلم، وإحضار المحبرة له من الموالاة المحرمة. واعتبروا مشاركته الأكل والشراب أمراً محرماً.
انتشرت منذ سنوات فتوى لأحد العلماء الكبار وهوعضو إفتاء بكفر أتباع طائفة يشكلون نسبة لايستهان بها من مواطني هذا البلد (الشيعة) وهم قبل ذلك إخوة لنا في الدين، مهما كانت نسبة الخلاف بيننا وبينهم. كنا نجد الفتوى ملصقة على أبواب الجوامع ومداخل المساجد. و بعد التوجه المحمود الذي انتهجته الحكومة السعودية تحقيقاً لمفهوم الوحدة الوطنية، بفتح المجال رحباً أمام مواطنيها بشتى انتماءاتهم الطائفية والمذهبية الدينية، للانتشار في مختلف المناطق التعليمية في السعودية بدلاً من تقوقعهم في منطقة معينة وكسر العزلة التي يعيشونها، أسوة بإخوانهم من السنة، ساء ذلك بعض الدعاة والمشايخ فكتبوا دراسات وتقارير تحذر من مغبة هذا التوجه، وفي مجلس حافل بطلبة العلم أفتى أحدهم بأنه يجوز كتابة التقارير المكذوبة عن المخالفين لنا من المسلمين إذا ترتب على ذلك التخلص منهم وإبعادهم حماية لأبنائنا من أن يتولى تعليمهم وتدريسهم من لانرتضي دينه .
وقبل سنوات سمعت شيخاً يدعو في أحد مساجد غرب الرياض، ويقول ” اللهم مكنا من الشيعة حتى نخوض في دمائهم إلى الركب” ….والمسجد يعج بالتأمين .
يذكر أحد المتصلين في برنامج الدين والحياة بتاريخ 1422/11/19 هـ الذي يبثه تليفزيون الشرق الأوسط”MBC ” أنه إباضي المذهب، وقد سمع أثناء طوافه بالكعبة في أحد الدروس العلمية التي تعقد في المسجد الحرام أن الإباضية طائفة ضالة مضلة، وأنهم كفار لقولهم بخلق القرآن، فلماذا تكفروننا؟ وأجاب ضيف البرنامج بأنه” بيننا وبينكم كتاب الله وسنة رسوله .وأن ابن تيمية لم يكفر الخوارج مع أنهم كلاب النار”!
وفي برنامج “دين ودنيا”الذي تذيعه القناة الأولى في التليفزيون السعودي سأل أحد المتصلين قبل سنة تقريباً عن بعض فتاوى الشيخ يوسف القرضاوي دون أن يذكر اسمه، فانفجرأحد ضيوف البرنامج -وهو قاضٍ معروف- غضباً ودعا القرضاوي إلى التوبة مما يعلم من لديه أدنى معرفة بقواعد الشريعة وعلومها أنها من قضايا الاجتهاد التي تدور بين الصواب والخطأ، وبين الأجر والأجرين ، وليست ذنباً أو ضلالاً يجب التوبة منه.
الاجتهاد
حينما يتحول اجتهاد العالم المخالف إلى ذنب ومعصية، فلا نستغرب بعد ذلك البيان الذي أصدرته اللجنة الدائمة للإفتاء تدعو فيه الشيخ دبيان الدبيان عضو الدعوة والإرشاد في وزارة الشؤون الإسلامية، إلى التوبة من قول قال به أكثر العلماء من المذهب الحنبلي وغيره ، وهو جواز قص مازاد على القبضة من اللحية !.
إذا كانت مسألة فقهية اختلف فيها علماء المذهب أنفسهم، يدعى فيها المخالف إلى التوبة، فلا أدري كيف سيكون الموقف ومستوى الحوار من الخلافات الفكرية ” العلمية ” التي تندرج تحت مسمى العقيدة، وكيف سيكون التعامل مع المخالف في المعتقد، والديانة؟.
لماذا يقال دائماً للآخرين خلاف ما يقال لحمام البيت ؟! يخبرني أحد الدعاة أنه حضر اجتماعاً منذفترة مع أحد المسؤولين، فكان المسؤول يذكر أن البلد لايصلحه إلا اجتماع الناس على رأي فقهي واحد، وأن تعدد وجهات النظر لايثمر إلا الفرقة والشر، ويستشهد بأن فقيهاً أبطل فتوى عالم آخر وأن مستفتياً قال له: إن الشيخ فلان أفتى بذلك فقال له الفقيه “خله ينفعك”. يقول محدثي : ثم فوجئت بعد أسبوعين بلقاء أجري مع المسؤول، ونشر في إحدى الصحف تضمن أفكاراً مناقضة لما نعرفه من قناعاته وتوجهاته، ولما ذكره لنا في “الجلسة المغلقة”، فكتبت مقالاً أثنى فيه على المقابلة، وعلىأفكارمعاليه التي اتسمت بالانفتاح والاعتدال. ولكنني عدلت عن نشره حينما علمت بواسطة أحد مستشاري ذلك المسؤول- أنه لايحبذ الكتابة عن المقابلة، لأنه قد اضطر إلى تلك التصريحات نظراً للظروف والمصلحة، وإلا فهو على العهد ماعدل وما بدل..!
وتبلغ الخطورة مداها حينما يأتي الحكم على دين الشخص، وتكفيره على الهواء مباشرة، من دون أي خلفية مسبقة عن القضية عينها وملابساتها وظروفها ، ومدى مصداقية النقل وسلامة الفهم، واعتبار موانع التكفير وضوابطه، فقد سئل أحد أساتذة الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض بتاريخ1422/8/17 هـ في برنامج “فاسألوا أهل الذكر” الذي تبثه إذاعة MBC-FM ، عن كاتب رواية أورد على لسان أحد شخوص روايته كلمة يعتقد السائل أن الكاتب لم يوردها على لسان تلك الشخصية إلا وهو مؤمن بها معتقد لها مما يتطلب وقفة صادقة من هيئة كبار العلماء- وليس القضاء- لتطبيق حكم الشريعة فيه، وإثبات ردته .
أجاب أستاذ الشريعة وعلى الهواء مباشرة بأن مانسب إلى كاتب الرواية، عبارة قالها في مجلس خاص بين مجموعة من أصدقائه -والسائل كان سؤاله عن الرواية - وقطع عهداً على نفسه بمتابعة الموضوع وعدم تجاهله، وأن العلماء لن يسكتوا وسوف يقومون بواجبهم .
تعلمت في المسجد أن من سلفنا الصالح من جعل أهل الأهواء “الشيعة، المعتزلة ، والجهمية، الإباضية، والأشاعرة ومن عداهم من الفرق الإسلامية” أشد خطراً على الإسلام من اليهود والنصارى، وأنه ربما جاز ت مصاحبة اليهودي ومجالسته، ولا تجوز مصاحبة المسلم المخالف، ولا مصاهرة المبتدع، وعلمونا أن من وقر صاحب بدعة واحترمه فقد أعان على هدم الإسلام .
تعلمنا في كتب العقائد ككتاب “السنة لعبدالله بن أحمد” أن كبار السلف ذهبوا إلى أن الإمام أبا حنيفة كان زنديقاً، وأنه استتيب من الكفر مرتين. تعلمنا في كتب العقائد أن فجرة أهل السنة – أهل الحديث” الحنابلة” حصرياً ولايدخل فيهم الأشاعرة فضلاً عمن عداهم – ولصوصهم وقطاع الطرق منهم خير من صالحي وعباد وأتقياء المخالفين لهم من الفرق الإسلامية ، وتعلمنا أن”أهل السنة إن قعدت بهم أعمالهم، رفعتهم عقائدهم”. فلم لاتناقش هذه المقولات والأفكار ؟
لدينا اليوم عدد لابأس به يعملون جاهدين على استدعاء أكثر الأفكار في التراث الديني الإسلامي تخلفاً، يتخذون منها درعاً واقياً لهوية مستهدفة، ويحتمون بها عوامل للشحن والتعبئة.
أفكار عديدة شكلت النسغ في أدبيات الجماعات الإسلامية اليوم لم تأت من فراغ ، بل كانت قابعة في جيوب ومخابيء ثقافتنا ألغاماً قابلة للانفجار تظهر حيناً وتختفي ردحاً من الدهر متى ماتوفرت الشروط الموضوعية لانبعاثها واستدعائها، فهي في متناول اليد، يستحيل القضاء عليها إلا بالقضاء على أسباب انبعاثها . لاأسباب وجودها.فهي كامنة كالفيروس.
تظهر الحاجة الملحة إلى فهم واع للشريعة والنصوص الدينية ومقاصدها مع التحولات الكبرى ورياح التغيير التي تعصف بالأمم والثقافات، ومع التماس الحضاري، تتكشف سوءات ويتهاوى ركام من المقولات التي يتعامل معها بقدسية مطلقة ، وتظهر على السطح أزمات نابعة من ممارسات تجد لها غطاءً من الشرعية في النصوص والتراث الفقهي والديني.
أفكار عدد من الجماعات الدينية لدينا لاتختلف في تشددها عن طوائف مسيحية وجدت في التراث الديني المسيحي ولازالت إلى اليوم لها أتباعها ومؤسساتها كالمورمن، والريفورمر، وشهود يهوه، والكويكرز، والآمش، ولكن كثيراً من مفاهيم الحضارة الغربية التي هبت رياحها منذ قرون ، وأيقظت الوعي الأممي لعدد من القيم الإنسانية العليا، كانت كفيلة بتقليم أظفار هذه الجماعات الدينية المتطرفة، وأخضعت بفضل النقد المشرع الأبواب بمباضعه وأدواته عدداً من أفكارها الدينية الكبرى لعمليات جراحية، وحركات تصحيحية.
حرية التفكير والنقد، وإخضاع أكثر الأفكار قدسية للمراجعة كانت وراء مراجعة المسيحية نفسها لكثير من أفكارها الدينية. وهذا مانحتاج إليه نحن المسلمين اليوم .
ظهر في العقود الأخيرة توجهات إصلاحية،ولكنها أجهضت تماماً..وتنحت مفسحة الطريق لأفكار متشنجة مأزومة تتربع اليوم سدة الخطاب الأصولي الإسلامي، وتكتسب يوماً بعد يوم أنصاراً ومؤيدين ؟ .
.. شارك عدد من العلماء ومنهم من هو عضو في هيئة كبار العلماء في حوار الأديان، وفي وفود إلى الفاتيكان، ودعوا إلى الحوار مع الغرب وأخفقوا في أن يفتحوا قلوبهم، وعقولهم وآذانهم لإخوان لهم في الدين ؟!
تجربة السجن
منذ عشر سنوات، تم إيقافي في قضية إحراق متجر لأفلام الفيديو”أفلام السينما”، وأثناء فترة التحقيق، التهمت كل ما وقع بيدي من الكتب والمراجع العلمية، التي توفرت لي، لأشكل رؤية شرعية واضحة تبرر ما أقدمت عليه، أوعلى الأقل تدرء العقوبة لوجود الشبهة، ولما جلست أمام القاضي كنت قد أعددت عدتي، فسألني هل أنت تائب ياولدي؟ ، قلت لم أخطيء حتى أتوب . أعطني دليلاً من كتاب الله وسنة رسول الله ، أو كلام العلماء الذين ترجع أنت إليهم يخطئني فيما ذهبت إليه، وأنا أعلن توبتي. ثم انبريت أتلو حججي وكنت حريصاً على إيراد أي إشكال والإجابة عنه. استمع القاضي حتى انتهيت، ثم قال هل أنت تائب. قلت: لا .فمما أتوب!.
كانت الأسس العلمية والمرجعية الدينية والمدرسة المذهبية التي ينطلق منها القاضي، هي نفسها الأسس التي أنطلق منها، ولهذا فكلما كان الشخص أكثر انسجاما ًمع أفكاره ومرجعيته- مهما كان تهافتها وضعفها وتخلفها – وكلما كان أكثر وفاءً وأمانة مع منطلقاته كلما كان أسعد بالحجة. لم يكن لدى القاضي قانون بتجريم هذا النوع من الاحتساب- حسب علمي حينها- على أماكن المنكر، فالفتيا كانت بتحريم التجارة بأفلام السينما، وأنها غير محترمة شرعاً، ولايجوز التعويض فيها. ولأن الأرضية التي ننطلق منها واحدة فلم يكن عند القاضي ما يقوله.
وقبل سنوات تم إيقاف عدد من الشباب لبعض الأفكار الغالية التي يحملونها ويروجونها عبرالمناشير والكتيبات، ومع حرص كثير من القضاة أن لاينزلقوا في النقاش، فقد كان يحصل أحياناً أن يجري حوار، غالباً ما يكون محرجاً لهم ، وتنتهي الجلسة بنصيحة الشخص أن يلازم العلماء ودروسهم…
إن إحدى الإشكالات الكبرى التي تواجهها المؤسسة الدينية (وزارة الشؤون الإسلامية/ هيئة الفتوى) أنه لم يتم فصام وقطيعة مع الأسس التي تغذي أفكار التطرف والغلو، وليس غريباً أن كتب”عصام البرقاوي -أبومحمد المقدسي” وغيره اعتمدت في تكفير الحكومات الإسلامية قاطبة، وفي تكفير أعضاء هيئة كبار العلماء في السعودية مراجع منها ” الدرر السنية في رسائل علماء الدعوة النجدية” والتي كانت توزعها مجاناً الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد”وقراءة سريعة عابرة في مجلدي “الجهاد ” و”حكم المرتد” من الدرر السنية ، ومؤلفات “الشيخ حمد بن عتيق ” وسليمان بن سحمان ” و”سليمان بن حمدان” و” حمود التويجري ” كافية في إعطاء حكم واضح.
ترى …هل هذا هو مايفسر الصمت المطبق والاكتفاء بالنفي، حينما تبتلى المؤسسة الدينية ببعض الذين يخرجون عن المألوف ، ويغردون خارج السرب، وحمود بن عقلاء الشعيبي، وعبدالله بن متروك الهذال، ضيف برنامج الاتجاه المعاكس” .. ليس منا ببعيد؟ .
* المقال خاص بـ “إيلاف”