العزيزة وفاء،
تواصلنا أول مرة في ربيع 2017، كنتُ في سيارتي أبحث عن موقف في واحة السليكون قريبا من بيتي، تلقيت اتصالك بعد رسالة منك، وتحدثنا قرابة نصف ساعة، ثم تكرر الحال مرات حول الكتابة وحلمك بأن تكوني ناجحة في هذا المجال ومشهورة. لم نكن على وفاق، انتهى الجدال والاختلاف بتحد منك وإعلان: “سأكون كاتبة ومؤلفة”. تصرمت السنون، ثم التقينا بعد عودتك من أمريكا، في ظروف صعبة، كانت المخاوف تعصف بالعالم إثر جائحة كورونا، التقينا في أغسطس ذلك العام أن لم أكن واهماً، أهديتك قلماً، كانت كالاعتذار بكرامة، لأنني كنت خشناً معك فيما سبق.
الحق أنني لا أذكر هل أهديتك قلماً أو تمراً. ثم التقينا بعدها حتى اليومِ مرات قليلة.. لقاءات حلوة وخفيفة على النفس.
وقبل شهر ونصف، تلقيت دعوة منكِ لحضور حفل توقيع كتابك الذي جمع مئة من المقالات عنوانه ( ماذا لو)، قرأت مقدمتك، ومقدمة الناشر، وتسع مقالات متفرقة جذبتني عناوينها.

وبما أنني أراكِ عالمة وأنهيتِ دراستك العليا في واحدة من أعظم جامعات العالم، فإنني أرى هذه المقالات تسلية تخفف من عبء عملك والتزاماتك الكثيرة، ونافذة نحو عالم جميل سداه ولحمته القريحة والموهبة والقراءة المزمنة ودقة المراقبة وحسن الصياغة وتكثيف الفكرة والتعبير عنها في أخصر مايمكن.
أنا أحسد العلماء. أغار منهم، فهم الطبقة الرفيعة من عقول البشر، ربما ينقصهم غالباً الجانب الإنساني الثقافي والتعاطف وفهم الإنسان والنفس البشرية وغموضها. ليس كلهم، فهذا ليس تعميماً. قرأت مرة أنها مشكلة عالمية.. لذا أنا معجب بأنك مررت بتجارب نفسية وترويض للذات، وخضت مغامرات تختبرين فيها حدود الوعي، وقدراتك الجسدية، متعلقة بالحبال، لاتخافين من خوض المغامرة، ولا تترددين في اتخاذ قرارك حين تكتمل شروطه، في اكتشاف مستمر بحثاً عن أراضي بكر لم يكن لأحد أن يبلغها لولا هذا الوعي ولولا الروح المتفائلة المحاربة التي لاتستلم. أنتِ عالمة حرصتْ على الدوام أن تكون في كل خطواتها على وعي بنفسها، ومكامن ضعفها، وجهد لايكل في تربية الذات.
في طور اكتمالك كنت تصطلين بنار الألمعية، ومرة سقطت منك دمعة حرى.
ولكن كنتِ من خلف الزجاج ترين المشاة المسرعين،
ولا تُرَين.[إحدى صفات الغيب تلك: ترى ولكن لا تُرَى] . (محمود درويش).
لذا أنتِ فريدة ونادرة.
مبروك. متمنياً أن أراك يوماً أمام أهلك وأحبابك وزملائك فخورة بتكريم يليق بالعلماء، تكريم من وطنك أولاً، ومن العالم، الذي لايعدو أن يكون اليوم قرية صغيرة.
منصور النقيدان
29 نوفمبر 2025