منصور إبراهيم النقيدان
نشر في صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ 17يوليو2001
أوردت إحدى المجموعات الإخبارية عبر الإنترنت قصة وقعت في أمريكا لشاب ملتزم ، يقول فيها أنه عندما كان يدرس في إحدى جامعات أمريكا والتعليم مختلط بين الشباب والفتيات لم يكن يكلم الفتيات ولا يطلب منهن شيئاًً ولا يلتفت إليهن عند الحديث، وكان الدكتور يحترم رغبته تلك ويحاول أن لا يضعه في أي موقف يجعله يحتك بهن أو يكلمهن . يقول هذا الطالب: سارت الأمور على هذا الوضع إلى أن وصلنا إلى المرحلة النهائية فجاءني الدكتور وقال لي أعرف وأحترم رغبتك في عدم الاختلاط بالفتيات ولكن هناك شئ لابد منه وعليك التكيف معه الفترة المقبلة وهو بحث التخرج لأنكم ستنقسمون إلى مجموعات مختلطة لتكتبوا البحث الخاص بكم وسيكون من ضمن مجموعتكم فتاة أمريكية . فلم أجد بداً من الموافقة ،استمرت اللقاءات بيننا في الكلية على طاولة واحدة فكنت لا أنظر إلى الفتاة وإن تكلمت أكلمها بدون النظر إليها، و إذا ناولتني أي ورقة آخذها منها ولا أنظر إليها!! صبرت الفتاة مدة على هذا الوضع وفي يوم هبت وقامت بسبي وسب العرب وأنكم لا تحترمون النساء ولستم حضاريين ولم تدع شيئاً في قاموس السباب إلا وقالته ،تركتها حتى انتهت وهدأت ثورتها ثم قلت لها لو كان عندك قطعة من الماس غالية ألا تضعينها في قطعة من المخمل بعناية وحرص ثم تضعينها داخل الخزنة وتحفظينها بعيدة عن الأعين قالت نعم .قلت كذلك المرأة عندنا فهي غالية ولا تكشف إلا على زوجها .هي لزوجها وزوجها لها لا علاقات جنسية قبل الزواج ولا صداقات يحافظ كل طرف على الآخر وهناك حب واحترام بينهم فلا يجوز للمرأة أن تنظر لغير زوجها وكذلك الزوج0 أما عندكم هنا فإن المرأة مثل سيجارة الحشيش يأخذ منها الإنسان نفساً أو نفسين ثم يمررها إلى صديقه، وصديقه يمررها إلى الآخر ثم إلى آخر وكذلك حتى تنتهي ثم يرمى بها بين الأرجل وتداس ثم يبحث عن أخرى وهلم جراً. بعد النقاش انقطعت عن المجموعة لمدة أسبوع أو أكثر وفي يوم جاءت امرأة متحجبة وجلست في آخر الفصل فاستغربت لأنه لم تكن معنا طوال الدراسة في الجامعة أي امرأة محجبة وعند انتهاء المادة تحدثت معنا فكانت المفاجئة أنها لم تكن سوى الفتاة الأمريكية نفسها قالت بأنها تشهد أن لا اله إلا الله وان محمد رسول الله. دخلت في الإسلام لأنها وحسب قولها هزتها الكلمات فكانت في الصميم .
…هذا نموذج واحد مما يقدم ويعرض من قصص الهداية والعائدين إلى الله والتي تردد على ألسنة غالبية الوعاظ والدعاة وتبث في النشرات والمطويات الدعويةالتي تقدم للناس في أماكن التجمعات والمساجد والمحاضرات .أما تمثيل المرأة بالجوهرة أو الماسة الغالية فهو من دواعي الغبطة والابتهاج لدى كثير من الإخوة الطيبين حين الحديث عن فرق مابين المرأة عندنا نحن المسلمين وبين نظيرتها في المجتمعات الغربية على وجه الخصوص.
قطعاً أن مادفع هذا الطالب إلى السفر إلى أمريكا وقحمه أموراً ربما يراها من منظوره الشرعي محرمة-كالسفر إلى بلد غير مسلم ،والإقامة بين ظهراني الكفار(وهو من مرجعية سلفية ) والخلطة والإختلاط مع غير المسلمين- هو إيمانه أن الإسلام برحابته وسماحته يجيز له كل أولئك الأمور للمصلحة الراجحة المترتبة على دراسته وتعلمه في بلاد بعيدة عن الإسلام حيث الفتى العربي فيها غريب الوجه واليد واللسان . واختلاطه بالطالبات في الجامعة ليس إلا واحداً من تلك الفتن فلمَ توقف عندالمرأة ونسي غيرها؟!
ثم إن صاحبنا تحمل أعباءً نفسية مرهقة بتجنبه الحديث مع الفتيات في الجامعة، و نحن نعلم أن الإسلام لايمنع ألبتة حديث الرجل مع المرأة الأجنبية في مجال العمل ،مسلمة كانت أو غير مسلمة ، وهذا التفريق بين المسلمة وغيرها قد يحسبه البعض تحصيل حاصل،ولكنه لم يأت من فراغ ، فقد كان الصحابة يتسامحون في التعامل مع غير المسلمة في لباسها وحجابها والإختلاط بها بخلاف المسلمة، فالحجاب أصلاً خوطبت به المسلمة دون غيرها،بل ربما تجوزوا مع غير المسلمة في أشياء شدد فيها الشرع ، وأما حديث الرسول مع النساء فهو مستفيض في السنة والسيرة. ،فلقد كان الرسول يحدث النساء وربما مازحهن حتى ربما علت أصواتهن بين يديه ،وحدث سفانة بنت حاتم الطائي وهي غير مسلمة،وكلم اليهودية التي أهدت إليه الشاة ، وكانت الجواري والإماء يخرجن حاسرات الرؤوس والوجوه إلى الأسواق يختلطن بالرجال ومنهن الغالبية من غير المسلمات ، وكان منهن أجمل نساء الدنيا من الروميات والفارسيات، وقد حرم الإسلام على المسلمة الخضوع بالقول صيانة لها وللرجل من نزغات الشيطان، والخضوع بالقول هو ماكان باعثاً لمرض الشهوة بترقيق الكلام والتكسر في الحديث الذي يبلغ حد الإثارة ،وكون الرجل يثيره حديث المرأة بمجرد سماع صوتها هو ناشيء إما عن خلل نفسي أو عن احتقان ربما كان مرده إلى نشأته الإجتماعية، ولكنه يتلاشى بالإعتياد .كما أننا نعلم أن المسلم حينما يقدم على بلد عليه أن يضع في الاعتبار الحد الأدنى من المحافظة والاحتشام المعمول به في أعراف هذا البلد وتقاليده ، ويتماشى معها ،وإلا فلا يعقل أن يعيش الإنسان في بلد كأمريكا وفي جامعة مختلطة يقاسي عذاباً رهيباً وصراعاً مريراً من أجل أن لايحدث امرأة ،أو لا يراها أو أن يجتمع معها في مكان . هذا من تكليف مالايطاق،ولايكلف الله نفساً إلا وسعها، والإسلام لم يحرم الاختلاط بإطلاق وإنما حرم الخلوة والاختلاط الذي يكون فيه إبداء لمفاتن المرأة كإظهارها لصدرها أو ساقها ،أو أن يكون مشتملاً على حديث محرم وإثم وعدوان ، فالنساء كن يصلين خلف الرسول صلى الله عليه وسلم في مسجده دون ساتر بينهن وبين الرجال ،ودخل عمر على النساء وهن عند الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يكن يضع بينه وبينهن ساتراً ،وكان الرسول يعتاد زيارة إحدى فضليات نساء الصحابة ويقيل عندها .
.إن قراءتنا للسيرة العملية للرسول صلى الله عليه وسلم تبين لنا أن المرأة كانت تخرج من بيتها للحاجة والمصلحة كشراء غرض لها ،والخروج إلى المسجد ،ودروس العلم ،والقتال ، وقل قيادة الجيش كما فعلته عائشة على كره من كبار الصحابة، ومداواة الجرحى ، والبيع والشراء إذا احتاجت فضلاً عنها إذا اضطرت ، وكانت زينب زوجة ابن مسعود تقول له اجلس للعلم وأنا أكفيك بمغزلي، ، فبتر النصوص عن سياقها ، أوالأخذ بظواهر بعضها وإهمال تطبيقاتها العملية في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم هو نظر بعين عوراء وانتقائية لامبرر لها إلا أعراف وتقاليد ألبست لبوس الشرع .كما أن الدارس للفقه الإسلامي وتفسير آيات الحجاب يدرك أن الحجاب هو أعم من أن يكون خرقة تستر بها المرأة جسدها ،فالحجاب يشمل بعد المرأة عن الإحتكاك المحرم بالرجال ،أوملامستهم المحرمة، ولهذا وردت النصوص بالوعيد الشديد على من مس امرأة لاتحل له ، كما جاءت في المقابل تخبر أن المرأة كانت تأخذ بيده صلى الله عليه وسلم على ماورد في الصحيح، وثبت أن أم حرام بنت ملحان كانت تفلي رأسه صلى الله عليه وسلم(ولم يأت في نص صحيح ولاحسن أنها كانت من محارمه) وهذا فرق ماكان محرماً من المس وما هو مباح،ولهذا ذهب بعض الفقهاء إلىأن المسلم إذا كان في مجتمع يعد مصافحة المرأة من الأعراف المتبعة،وكان امتناعه من مصافحتها يوقعه في حرج ويصمه بعدم اللياقة كان له أن يصافحها درءً للإحراج(حسين فضل الله /الفتاوى) كما يشمل الحجاب غض المرأة من البصر عند خوف الفتنة وهو السهم المسموم والمقصود بالأمر بغض البصر ، وأما مطلق النظر فلم يرد في الشرع مايمنع منه.
وأخيراً فلو لوأن هذا الطالب الطيب حينما أتيحت له الفرصة لدعوة هذه الطالبة الأمريكية اكتفى بتفسير مبسط لبعض آيات القرآن الكريم التي تحدثت عن الحجاب ومكانة المرأة في الإسلام لكان قد أعطى صورة صادقة عن الإسلام بعيداً عن الأعراف والتقاليد التي يمتاز بها مجتمع مسلم عن آخر. فتشبيه المرأة بالجوهرة أو بقطعة الماس حذلقة وتفيهق مثير للسخرية ،وليس وصفها بهذا الوصف إلا جهلاً بمنزلتها
في الإسلام،وتسطيحاً مبتذلاً ، والأعجب من ذلك التصوير الغرائبي للمرأة في الغرب والذي قدمه صاحبنا للطالبة الأمريكية- ولا أدري كيف اقتنعت بحديثه إن كانت الواقعة ذكرت كما هي – وهوتصورلايقل سذاجة عما يدعيه بعضهم من أن المسلمين يحرمون المرأة من التعلم،وأن لاحقوق لها ،ولاإرادة ،ولا استقلال في الرأي.
هذا مثال لما يقدم ويعرض من قصص الهداية والعائدين إلى الله والتي تردد على ألسنة غالبية الوعاظ والدعاة و وتبث في النشرات والمطويات الدعويةالتي تقدم للناس.، وهي بلا ريب لم يكن دافع أصحابها إلا الصدق والإخلاص إنشاء الله وقصد هداية الخلق ،ولكننا لسنا بحاجة إلى هذا النوع من القصص الطافحة بالسذاجة وقلة العلم بدين الله وشرعه . نحن بحاجة إلى إعادة نظر ووقفة طويلة لتأصيل شرعي لطرق الدعوة وأساليبها يعتمد على النصوص الشرعية القطعية ومفاهيم الإسلام الراسخة الرحبة بعيداً عن العواطف والحماس،والإستغفال الذي كثيراً مايؤدي إلى نتائج عكسية..