اليوم الاثنين تقام في دار الأوبرا بدبي التصفيات النهائية وحفل تكريم الفائزين في مسابقة تحدي القراءة العربي الذي كان واحدة من ومضات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. هذه المبادرة التي انبثقت في فترة حزينة لأمتنا العربية، حيث تتهاوى آمال كثير من الشباب، وتتحطم أحلامهم، ويشرد الملايين، بسبب الحروب الأهلية التي تسحق فيها الطفولة قبل أي شيء آخر، هنا في هذه اللحظة تشرق الإمارات بالأمل الذي يتسرب كالشعاع بين ركام الخراب، يجد الأطفال واليافعون يداً حانية تقول لهم: يمكن أن يكون مستقبلكم أجمل، وغدكم أروعَ، إذا وعيتم أن العقول إذا استنارت وتغذت برحيق الثقافة والفكر، وتمسكتم بهذه الشعلة، وقبل ذلك أن تدركوا أن أمتكم العربية ولغتكم رغم كل الأسى قادرة على النهوض كما كانت لخمسة قرون مهد حضارة البشرية والعلوم.
لا يمكن لمسلم أن يمر بهذه الآية (اقرأ باسم ربك الذي خلق) وآية (اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم) إلا ويتساءل كيف أن هذا التوجيه الإلهي أصبح في فترات تاريخية وعند بعض المجتمعات المسلمة مقصوراً على الذكور من دون الإناث؟! كل سيدات العهد الزاهر للإسلام كن يمتزن بإجادة القراءة والكتابة، من دون استثناء بدءاً من أم المؤمنين خديجة مروراً بعائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين وبزبيدة زوجة الرشيد إلى غيرهن مئات من العالمات والفقيهات والمحدثات، حيث كانت علوم الشريعة هي الغالبة، كاللاهوت في المسيحية هي أساس الثقافة حتى نهاية القرن التاسع عشر، عصر النهضة العربية.
عرفت الحضارة العربية منذ ما قبل الإسلام ومع ظهوره في مكة ثم علوه في المدينة، مثقفين كانوا يمتازون بالموسوعية والقدرة الهائلة على الاطلاع والقراءة، والشغف باقتناء الكتب واستعارتها، وقبل ظهور الإسلام كان بعض من الأذكياء الذين وجدوا في أنفسهم صفات النباهة والقيادة والاطلاع طلاعين إلى دور رسالي وقيادي في مجتمعاتهم، ولأن جزيرة العرب كانت تحوي أكثر من ديانة ونحلة فقد وجدنا في سوق عكاظ وفي اليمامة وبين أهل مكة من رأوا نتيجة قراءاتهم ومجالساتهم أن هذه الأمة تتهيأ لتسود الأمم. حتى طلع البدر وسادت أمة العرب على كل الأمم مع النبي العربي الأمي، صلى الله عليه وسلم.
مثالان من تاريخنا القديم، كان النضر بن وائل القرشي من أوائل مثقفي مكة الحكواتيين، وهو كان رحالة يتتبع القصص والأساطير، وكان مختصاً بالأدب الفارسي وما يمكن تسميته نصائح الملوك الذي انتعش لاحقاً في الإسلام وألفت فيه عشرات الكتب، ويحكى أن النضر كان من أدوات صناديد قريش الإعلامية الذين قادوا الدعاية المضادة، وشكلوا تيار الرفض لرسالة الإسلام. وفي المقابل كانت الرغبة العارمة عند عمر بن الخطاب في الاطلاع والقراءة تؤكدها روايات وقصص حكاها هو بنفسه، ورويت من بعد توليه الخلافة، حيث عكس مجلسه هذا الشغف والجوع إلى معرفة علوم الأمم وآدابها. عمر الذي كان من بني عدي ومن فروع قريش الذين تولوا مهمة السفارة واطلعوا على الأمم والقبائل والثقافات وعاداتها وتقاليدها، كانت هذه الملكة أحد عوامل عظمة عهده، التي جعلت منه أعظم خلفاء الإسلام ومشرعيهم عبر العصور.
اليوم في ظل التحدي الكبير الذي تواجهه أمتنا العربية، فإن الفكرة التي يجب أن نغرسها في أطفالنا وفي بناتنا وأولادنا، هي أن التعليم وإدمان القراءة ستجعل منا أكثر تعايشاً مع المختلف، وأكثر احتراماً لمن لا يدين بما نؤمن به، وأكبر عقولاً، وأوفى حكمة، وأكثر بهجة بكل هذا التنوع الذي يشكل حضارة البشرية اليوم. وأن هذا الأمل يبعثه قائد وفارس عربي لم يكتف بالكلام، بل حقق الأحلام.