في استبيان قامت به مؤسسة زغبي للأبحاث لصالح مؤسسة طابة في شهر نوفمبر الماضي، قال 99% من الشباب الذين يعيشون في الإمارات إن لهم أصدقاء من غير المسلمين، وأجاب 84% من الإناث والذكور إن الدين علاقة روحية خاصة بين الإنسان وبين الله. وكانت الشريحة المستهدفة هم الذين تتراوح أعمارهم بين الرابعة عشرة والرابعة والثلاثين.
في العقود الأخيرة الماضية تولدت من الظروف والتحولات التي طرأت على أجيال الشباب المسلمين من حيث النشأة والفضاء الاجتماعي الذي يعيشون فيه أنماط من التدين، ليست إلا حالات متناثرة، ولكنها تتسع وتنمو على ضفاف الاجتهادات الدينية للفقهاء التقليديين المعنيين اليوم بإعادة تفسير الدين، ومساعدة أبناء المسلمين في العالم الإسلامي وفي الغرب، للظفر بالطمأنينة الروحية، والعيش وفق هذا الإيمان، ولكن من الملاحظ أن هذه الفهوم التي بدأت الآن تتسع بين الأجيال الشابة في العالم الغربي تستند إلى رؤية فلسفية وتفسير خاص للدين.
واجه المسلمون في القرنين الحادي عشر والثاني عشر في فترة الحملات المغولية المدمرة التي اكتسحت العالم الإسلامي مسألة ذات علاقة بالإيمان، حيث كان كثير من القضاة والتجار والأئمة يعيشون ويعملون تحت ظل الحكم المغولي الذي اعتبره فقهاء الإسلام حكماً وثنياً، وفي الشام في تلك الحقبة وجد مئات الآلاف من المسلمين أنفسهم يعيشون في ظل الحروب الصليبية تحت حكم القادة الصليبيين ويعاشرون المسيحيين لعشرات السنين. إلا أن هاتين الحالتين كانتا عند فقهاء ومتكلمي المسلمين تندرجان تحت مسمى فقه الضرورة. أي إن المسلم يمكنه أن يحافظ على عقيدته ويتظاهر بالخضوع للقوانين التي تضاد عقيدته الدينية، حتى تزول هذه الحالة الاستثنائية.
لا يعرف الفقهاء المسلمون في كتبهم حالات أخرى يكون فيها المسلم مهاجراً باختياره في بلد غير مسلم قاصداً الإقامة فيه مواطناً، وعليه أن ينسجم في الوقت نفسه مع قوانين ومفهوم حياة مختلف لا يشكل المسلم فيه إلا لوناً من أطياف متعددة تعيش في هذا المجتمع.
إن إهمال الاعتناء بهذا الإيمان/ التدين في العالم الإسلامي، نابع من أن فاعلين رئيسيين في تفسير وإعادة صياغة الإيمان المسلم، غير معنيين ولا قادرين على الترويج له ولا تبنيه، وهذان الفاعلان هما المؤسسات الدينية التقليدية في العالم الإسلامي، والتيارات والحركات الإسلامية. فالمؤسسات الدينية التقليدية التي تسعى -بصدق وإخلاص- إلى أن تحل مكان الحركات الإسلامية التي استأثرت لعقود من السنين بالمجتمعات الإسلامية، لا يمكن لهذه المؤسسات أن تقدم نموذجاً إيمانياً منسجماً مع المجتمعات الغربية وفي أوروبا خصوصاً، فهي لا يمكنها أن تسهم بأكثر من مساعدة المسلمين في فرنسا وفي غيرها على اعتناق إيمان الضرورة الذي يجعل المسلم في حالة من التقية لعدم القدرة على تغيير مجتمعه وأسلمته. في المقابل فإن الحركات الإسلامية ومؤسساتها التي تعيش في أوروبا تهدف إلى أن تجعل من الشاب المتدين مطية لتنفيذ أجندتها وهو إقامة «الخلافة» على الأرض!
بعيداً عن مباركة ودعم المؤسسات والفقهاء ينمو نوع من الإيمان نراه اليوم يتنفس بمشقة في مجتمعاتنا العربية بين الشباب، ولكنه يعبر عن تجارب فردية تحتاج إلى أرض صلبة من الفكر والفلسفة، والتعمق في تاريخ الحضارة الإسلامية، ولكنَّ دراسته بعمق، يمكن أن تساعد في رفع وعي الحكومات الغربية والإسلامية القلقة من تنامي التطرف والإرهاب، من الواضح أن رعاية هذا النهج قد تكون بدايات صغيرة ولكن عملية نحو بصيص نور لمخرج من قضية شائكة ومعقدة.