تاريخ النشر 22 يوليو 2007
( نشرت واشنطن بوست الأحد عدداً من المقالات لكتاب مسلمين من حول العالم تحت عنوان( الإسلام يحتوي الكثير من الدوائر) يحكون فيها تجاربهم الشخصية مع الإسلام وخلاصة ما توصل إليه كل واحد منهم وكيف يمارسون دينهم، ونظرتهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية وعلاقتها بالمجتمعات الإسلامية، وشارك في الكتابة أكبر أحمد وهو مفكر أمريكي من أصل باكستاني، ومهجة كهف أمريكية من اصل سوري، ومنصور النقيدان من السعودية، ومحسن حامد وهو باكستاني عاش طفولته في أمريكا).
منصور النقيدان – بريدة ( وسط السعودية): الإسلام في حاجة إلى إصلاح عميق، إنه يحتاج لشخص يمتلك شجاعة مارتن لوثر. هذا ماتوصلت إليه بعد رحلة روحية طويلة ومؤلمة. ورغم إن هذا القول لا يحظى بشعبية ،كما أنه طوقني بانتقادات غاضبة في السنوات الماضية، بما في ذلك فتاوى تكفير من علماء دين، لكن أحداث 11 من أيلول وماجاء بعدها حتى اليوم، عززت أقوالي وقناعتي بأن الإسلام يحتاج إلى إصلاح لكي يمضي نحو المستقبل.
لم أكن دائما أحمل هذه الأفكار فيما مضى، كنت واحداً من المتطرفين الذين يتشبثون بالتفسير الحرفي للإسلام، وحاولت إكراه الآخرين لتبني نفس رؤيتي المتشددة. لقد كنت جهادياً. ترعرعت في العربية السعودية، وعندما بلغت من العمر السادسة عشرة، بدأت تراودني شكوك حول وجود الله، كنت ألجأ إليه بالدعاء لأن يمنحني القوة للتغلب على تلك الوساوس، ثم عقدت صفقة مع الله: سأتخلى عن كل شيء و أكرس نفسي لك وأعيش الطريقة التي عاش عليها النبي محمد ورفاقه قبل أربعة عشر قرناً، ويكون عليك أن تتكفل بتخليصي من شكوكي. انضممت إلى مجموعة سلفية متشددة، وتخليت عن الحياة الحديثة وعشت في بيت من الطين، بعيداً من أهلي، تركت مدرستي ظناً أن التعليم الحديث فاسد وغير أخلاقي، وانضممت إلى حلقات العلماء الذين يدرسون العلوم الإسلامية بالطريقة التقليديه، تماماً كما كانت تدرس قبل ألف ومئتي سنة، ووجدت نفسي وقد انخرطت في العنف، الشيء الذي أوصلني للسجن. في أوائل التسعينات، شاركت في حرق محل فيديو في الرياض ومركز نسائي في مدينة بريده، لأني كنت أعتقد أنها رموز الخطيئة في مجتمع يمضي نحو الحداثة بخطى متسارعة.
ورغم كل ذلك لم أتخلص من شكوكي. كنت أتساءل هل القرآن حقا كلمة الله؟ لو كان حقاً فهل أنزل على الرسول محمد ، أم هو صنيعته؟ ولكنني لم أشاطر الإفصاح عن هذه الشكوك أحداً، لأن الكشف عن ذلك هو أمر محظور تماماً في المجتمع المسلم. في الوقت الذي بلغت فيه السادسة والعشرين، الكثير من الاضطراب الذي في نفسي قد خف، ووجدت السلام مع الله. ولكن وفي الوقت نفسه، كنت قد بدأت ألاحظ النفاق المتفشي لدى الكثيرين الذين يقدمون أنفسهم كقدوة للمسلمين: القضاة باسم الشريعة الذين يتجاهلون علامات التعذيب البادية على أجساد رفاقي من السجن، معلم القرآن الذي يعتدي على طلابه. ورأيت مسلمين يدعون التقى ويحافظون على الصلوات الخمس يومياً لا يتحرجون عن الكذب وأداء شهادة الزور للإضرار بأشخاص لا ينتمون إلى نفس معتقداتهم المتطرفة.
وفي عام 1999 كنت إماماً في مسجد في الرياض، وكنت قبل ذلك قد عثرت على كتابين كان لهما تأثير عميق في تفكيري، أحدهما كان لمفكر فلسطيني، وكان يناقش الصراع الدائر بين أولئك الذين يتعاملون مع القرآن بشكل عملي ومن يأخذ بالحديث حرفياً كما هو، الثاني كان كتاباً ألفه فيلسوف مغربي عن تكوين العقل العربي. ألهمني ذانك الكتابان في كتابة مقال لصحيفة سعوديه قلت فيه إننا مدينون لأنفسنا بأن نطرح الأسئلة، فالمسلمون لهم الحق في طرح السؤال،وانتقاد القادة الدينيين والأئمة الكبار، ولا يجب إن نأخذ كل ما يخبروننا به على انه من المسلمات، ولاحقاً كتبت بأنه يجب علينا التفكير بطريقة عملية إذا كنا نريد لديننا أن يظل و يزدهر.
المقال قذف بي وسط عاصفة. بعض من يصلون معي في المسجد رفضوا السلام علي،آخرون تجنبوا الصلاة ورائي. تحت هذه الضغوط تركت المسجد. واتجهت إلى الجنوب إلى مدينة أبها، حيث وجدت عملا ككاتب ومحرر لصحيفة أنشئت حديثاً. عدت بعدها إلى الإمامة في مسجد الصحيفة الصغير والكتابة عن أفكاري، بعد أن كتبت مقالات مؤكداً حقنا كمسلمين في مسائلة رجال الدين في تفسيراتهم للقران والحديث وثقافة الدين في مجتمعنا، منعت من الكتابة بسبب ضغوطات وشكاوى من المؤسسة الدينية السعودية.
هجمات 11 أيلول -سبتمبر، أعطت حياة جديدة لما كنت أقوله، عدت من جديد انتقد الطريقة التي يتم فيها تلقين الدين لنا نحن المسلمين، انتقدت فكر القاعدة وتلك الفكرة التي تعتبر أن كل أولئك الذين ليسوا مسلمين سلفيين هم أعداء. شددت على ضرورة التآلف مع الأديان الأخرى أشرت إلى أمثلة من التاريخ الإسلامي. حاولت إعطاء تفسير جديد للآيات التي تدعو إلى العداء بين المسلمين والمسيحيين واليهود. كتبت أنها لا تنطبق علينا اليوم. كنت أطمح إلى ترسيخ فكرة أن الإسلام يدعو إلى المودة بين أصحاب الديانات.
لقد فقدت الكثير من الأصدقاء قبل ذلك بسنتين، وبعد ذلك فقدت من تبقى من أصدقائي الذين وجدوا أنفسهم مضطرين لإعلان مواقفهم مني، إما معي أو ضدي. فضل بعضهم الابتعاد بصمت، وآخرون اختاروا المواجهة علنا وأصدروا بيانات وردوداً مليئة بالشتائم. مرة أخرى كانت الجريدة تحت ضغط كبير. أصبحت الهدف المفضل للهجوم عليه على الانترنت، حيث كانت كتاباتي مدانة.
بعد رحيلي من أبها كنت قد بدأت في تطوير علاقة مختلفة مع الله. شعرت أنه كان يدفعني نحو نوع آخر من الإيمان، كل ما يهم فيه هو أن نتضرع إلى الله من القلب.واصلت الصلاة، ولكنني بدأت أتجنب الآيات التي تطالب بإضمار العداوة والكراهية لغير المسلمين، بدلاً من ذلك اقتصرت على الآيات التي تشيد برحمة الله وعظمته وسعة علمه. تذكرت حادثة في السيرة النبوية عندما أخبر النبي بدوياً لا يعرف كيف يصلي بأن يتخلي عن الآيات ويقترب إلى الله بتكرار التسبيح والتحميد والتكبير، “لا تهتم بالتفاصيل” هذا ما قاله النبي للبدوي. أحسست بالسلام، لم يعد للشك وجود في قلبي. فقد صمتت تلك الحملان.
وفي كانون الأول / ديسمبر 2002، في مقابلة على شبكة الانترنت، انتقدت القاعدة، وأعلنت إن بعضاً من خطب الجمعة كريهة ومقرفة. وفي غضون أيام، صدرت فتوى على موقع إنترنت لثلاثة مشايخ، وأفتوا بردتي ووجوب قتلي. مرة أخرى، شعرت باليأس من أن يكون ثمة تغيير نحو الأفضل في الطرق التي تتخذها المجتمعات الإسلامية نحو أبنائها، وبعد سنتين في مقابلة لي مع تلفزيون العربية قلت: أظن إن الله يحب جميع الناس المؤمنين من مختلف الأديان، أصدر إثرها عالم دين كبير فتوى بردة قائل هذا الكلام.
بعدها بأيام، ذات مساء، سمعت من الراديو آية النور. رغم أنني أحفظ هذه الآية منذ الخامسة عشرة، كنت وكأنها تطرق سمعي للمرة الأولى. الله نور السموات والأرض! شعرت حينها وكأنني أنا المعني بتلك الآية. أحسست أن الله يخاطبني.كيف يكون الله هو النور ويكون في الوقت نفسه عدواً لإنسان ضعيف هو خلقه؟ الله النور! أيعقل أن يكون سعيداً لرؤية الناس وهم يتعذبون من أجله، وحتى لو كانوا قد اخطأوا الطريق إليه؟ لقد وجدت إسلامي.
أعتقد أن آخرين يمكن أن يجدوا إسلامهم وسلامهم أيضاً. ولكن أولا نحن بحاجة إلى إصلاح على غرار الإصلاح البروتستانتي ضد الكنيسة الكاثوليكية. ومع أن إعجابي العميق بلوثر بدا أحياناً رؤية غير مكتملة النضوج، إلا أن شجاعته وانتفاضته الباسلة كانت ملهمة لي دائماً.
في القرن الرابع عشر كان ابن تيمية الفقيه السلفي المتشدد مرشحاً لأن يكون لوثر الإسلام، لقد كان عالماً مر هو الأخر بأزمة روحية ، وتوصل إلى أن الله الذي نؤمن به سيقوم في لحظة ما بإغلاق أبواب جهنم، وسيسمح لجميع البشر بغض النظر عن دياناتهم ، بالدخول إلى الجنة الخالدة. وخلافا للوثر، فضل ابن تيمية الصمت، ولم يصرح بفكرته الثورية إلا لشريحة صغيرة من طلبته المخلصين.
إن ما يحتاج الإسلام إليه هو شخصية قوية، شخصية تقودنا نحو الإصلاح، إنه يفتقد إلى علماء يستطيعون إقناع المجتمعات الإسلامية بضرورة إعادة تفسير نصوص القرآن بطريقة عصرية وجريئة كي يتسنى لنا العيش مع العالم الأوسع.
* منصور النقيدان كاتب في صحيفة الوقت البحرينية.
ترجمة :منى عبداللطيف خاص بإيلاف