يعتبر الكاتب والمفكر الإسلامي السعودي منصور النقيدان من أبرز الأسماء على الخريطة الفكرية في الساحة السعودية منذ أكثر من عامين شهدت العديد من المقالات حول رحلته من غياهب التطرف إلى فسحة الاعتدال، وكانت بمثابة شهادة حيّة حول التحولات الفكرية للعديد من الكتاب السعوديين العائدين من أتون التطرف الإسلامي. وهنا مقال جديد كتبه خصيصا لإيلاف:
منصور النقيدان:
أفلحت أخيراً نداءات الاسترحام والتوسل التي أطلقها محسن العواجي من زنزانته بعد سنة كاملة من لزوم الباب. كان يقضي فترة حكم بالسجن لثلاثة عشر عاماً في سجن الحائر جنوب الرياض، وبعد أربع سنوات قضاها في دار العقاب إثر مشاركته في تهيئة الأجواء والظروف لاغتيال أحد رجال الأمن السعودي، حسب بيان صادر من وزارة الداخلية في6-8-1415 الموافق 11-11-1994 ، وأذيع في وسائل الإعلام السعودية. فتح الباب فأطلق سيقانه سعياً لتحقيق هدفه ، الشهور الأخيرة من سجنه عصفت بها رياح الريبة وجللتها سحب الشكوك بينه وبين رفقاء الدرب في الداخل وعكست آثارها في الخارج لدى أخدانه في لندن حيث لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية التي انقسمت على نفسها بعد شتائم متبادلة وشقاق على الفلوس ودنس النفوس بين سعد الفقيه ومحمد المسعري.
من التائب لولاة أمره أن يتولى بنفسه مهمة إيقاف نشرات اللجنة وإنهاء نشاطاتها وإقناع اللندنيين بالعودة إلى أرض الوطن، اجتهد لشهورعقب إطلاقه بأن يشفع ذلك بإعداد ملف لكل الانتهاكات الإنسانية التي مورست على سجناء قبض عليهم بعد تفجير العليا العشرين من نوفمبر 1995، حيث كان له الفضل دون غيره في ترتيب لقاء لأحد عشر شخصاً تم استقبالهم وسمعت شكاواهم، نجح في هذه وأخفق في المهمة الكبرى التي تطوع لها بكل حماس، فلم تلق نشاطاته أي استجابة من قبل لندن، قوبلت بالنقد والتوبيخ والتشكيك بولائه واتهامه من قبل رفقاء الأمس بالنكوص والدخول في ركاب السلطة والتدثر بعباءتها. في ثاني ظهور له على شاشة قناة الجزيرة من قطر، التهم الكعكة كلها دون أن يبقي ذماء لرفقائه السابقين الذين كان أحدهم ينتظر دوره على الهاتف مغضباً ، حيث ساءهم أن يتجاهل دورهم المؤثر في المجلس التأسيسي للجنة في مزرعة نائية في ضواحي الرياض.
بعد تفجيرات الثاني عشر من مايو نشأ سوق الوسطاء، فنفث مر الشكوى على صفحات الجرائد من أن جهوده واستماتته في ملاحقة عدد من مقاتلي القاعدة وتوسطه في تمكين الأمن من القبض عليهم ذهبت سدى، وتعرضت للسطو من قبل مشايخ أثيرين لديه لم يستطع تسميتهم، كان بعضهم ممن هم أكثر تأثيرا وقبولاً عند مقاتلي القاعدة قد نشطوا في هذا المجال، للتوسط واقتناص الشاردة من غنم القاعدة عسى أن تستأنس وتعود إلى مرابعها، كانت تلك ربما هي المرة اليتيمة التي تظهر فيها نذر فتنة بين لحىً تتناطح على حب الصدارة وهوس الأضواء.
وفي الوقت الذي كان صاحبنا لايكتم حديثاً حول بوادر دفء غشيت علاقته بولاة الأمر ، ولم يتردد لحظة واحدة في ارتداء عباءته المبخرة بالعود الهندي عند كل هيعة واقتحامه جهاراً نهاراً مكاتبهم، كان أكثر أصحابه وضوحاً، البعض من لداته كانوا معجبين بجرأته إعجاباً مشوباً بحسد لايكاد يكتمه بعض من الرعيل الأول ممن يعتبرونه كادراً تزبب قبل أن يحصرم، كانت غيرة ممزوجة بادعاء بارد بالخوف عليه من الفتنة وبلاط السلطان، وأخيراً قنعوا به رائداً ووسيطاً لتسهيل لقائهم سراً وفي الليل وبعيداً عن عيون أتباعهم ومريديهم مع المسئول الأول عن ملفهم ، حيث اتخذت الترتيبات لتأهيلهم للعودة إلى منابرهم، وردهم إلى وظائفهم.
كثيراً ماردد صاحبنا في لقاءاته وفي حديثه مع غالب من يلتقيهم للمرة الأولى أنه لم يقبض فلساً واحدا على كل خدماته الجليلة التي قدمها منذ العفو الملكي عنه قبل ثمان سنوات، شافعاً ذلك بالتأكيد على أنه لم يتقاض أي راتب ولا أي تعويض عن الأضرار المادية التي لحقت به ولم تصدر الأوامر برده إلى وظيفته، والذين شاهدوه أكثر من مرة في برامج قناة الجزيرة الحوارية المباشرة يلحظون كيف أنه اعتبر تلك نقطة أساسية في سيرته الذاتية التي يتلوها أحمد منصور أو غيره مع بداية كل لقاء، ولا أدري هل هو المتفرد بهذا من مناضلي العالم أم لا؟ ولكن المعذبين في ذات الله لهم شأن آخر، فالصالحون الأتقياء يقبلون ماقدره الله من شظف عيش وقلة ذات يد تسببت بها مواقف آمنوا بها يبتغون العوض والأجر من الله ويبثونه أحزانهم وهوانهم على الناس. هكذا كان الصالحون من قبل.
أساء محسن إلى نفسه وإلى غيره حينما يعلن في مجالسه أنه لم يشارك في أي حوار في قناة الجزيرة أو غيرها إلا بعد الإعداد مسبقاً مع جهات نافذة، في الوقت الذي يتظاهر فيه علناً باستقلاليته التامة، فمن يقول ذلك صادقاً فليس سوى أحمق ليس أهلا للثقة أو كاذباً مدعيا، خسر اللندنيين وأتباعهم في السعودية فكان في منتديات الإصلاح وغيره مثوى اللعنات والشتائم والتشكيك بصدقيته، وخسر رفاقه القدامى إثر جهوده التي ذهبت أدراج الرياح بعد العهد الذي قطعه على نفسه، كما أنه قوبل بالصدود من قبل موقعي البيانات الإصلاحية الذين حرص دائماً على اللصوق بهم وتشمشم أخبارهم، وكانت القطيعة بعدما وجه لهم رسالة عبر جريدة المدينة بأن يثمنوا العفو الملكي عنهم ويدركوا أخطاءهم، وأما مقاتلو القاعدة فقد بار عندهم سوق السمسرة الذي عقده، وكانت مقالاتهم في مجلة صوت الجهاد تعكس كيف كانت مصداقيته عندهم، وصموه بالجاسوسية والعمالة، حصيلته المتواضعة للغاية في علوم الشريعة لم تشفع له ليكون في مصاف العلماء والفقهاء، وحرم فصاحة الوعاظ وطلاوة الخطباء ، حفنة من إشراقات فكرية و ومضات فقهية في لقاءاته التليفزيونية يعود الفضل فيها إلى جهود بعض من المختصين والباحثين الذين يعدون له قصاصات تسعفه وتغطي نقصه، ولم يتمتع بحصافة وحكمة تجنبه العثرات وتمنحه الاحترام لدى أصحاب القرار.
هو مؤمن مسلم ولكنه ليس من أهل النسك والعبادة وليس الزهد سمة له ليكون في عدادهم، فإن عزوف المرء عن زخارف الدنيا يغطي نقصه ويغفر حتى للأغبياء عجزهم، ولطالما كان بله الصالحين محبباً إلى الله وإلى خلقه، بريقه خفت كثيراً ولم يعد مغرياً إلا لأولئك الذين يشابهون الجلب من الركبان الذين يردون السوق أول النهار غفلاً عن أي معرفة، فلا تمضي ساعات وينتصف النهار حتى يسألوا الله العوض في (عبطا المرطا).
لسنوات كان صاحبنا يعطي رسائل غير مباشرة في لقاءات عدة بأنه يعبر عن قناعة جناح من ذوي النفوذ في الأسرة المالكة ، وحين التقيت به في مدينة الرس في شهرنوفمبر 2002، كان يتحدث باسم المسؤولين المهمين في الدولة، نظر إلي وغمز بعينه وقال:( أنا أتمسكن حتى أتمكن )، كان يلعب على الحبال معتقداً أنه كان أذكى من الجميع. وحدهم الحكماء يعلمون جيداً أن صاحبنا البائس الطيب يحتاج إلى يد حانية تحميه من نفسه ومن نوازعها الأمارة بالسوء ،وحدهم الذين يعلمون جيداً كم أن الصغار يضاعفون حمقهم حينما يخوضون صراعاً ويثيرون غباراً تحت أقدام الكبار حيث يذهبون مزقاً أيادي سبأ، أولئك فقط يعلمون كم أن أباهشام ساذج لاتروج بضاعته الكاسدة إلا بين السذج ، قال أحدهم ساعة لقائه به أول مرة:( رأيت شخصاً من أهل الحل والعقد).تعوذوا بالله من الانطباع الأول.