منصور النقيدان
ذكرت صحيفة الرياض الأسبوع الماضي قصة حُكمٍ أصدره قاضٍ في أسكتلندا بحق رجل قامت الشرطة الأسكتلندية بإلقاء القبض عليه بعد أن ضبطته الخادمة في غرفته وهو في وضع مريب مع دراجته، وفي حالة اختلاء لم يكن ثالثهما إلا الشيطان، وجاء الحكم بإخضاعه للمراقبة القضائية ثلاث سنوات، ووضعه في السجن في حال ضبِطَ في الوضع نفسه مستقبلاً، واعتباره مهووساً جنسياً بعد اعترافه بانتهاكه للدراجة. يبدو هذا الخبر طريفاً وغريباً تهمة وحكماً، وهو كذلك. فمدير الشرطة التي تولت القبض على روبرت ستيوارت قال إنه لم يسمع بمثل هذه القصة رغم السنوات الطويلة التي قضاها في عمله. حُكم القاضي أكثر غرابة، فكيف يتصور انتهاك لحرمة دراجة واعتداء على شرفها وعذريتها؟ وإذا كان هوس السيد ستيوارت بدراجته يخشى منه أن يتطور مستقبلاً ليطال الإنسان والحيوان، فإن الخادمة التي وقعت عينها عليه متلبساً هي الأكثر عرضة لذلك، ولكنها لم تتهمه بشيء وإلا لكانت قصة أخرى، الحُكم أكثر غرابة لأن العقاب الصادر بحق المدان لا يمكن أن يتحقق به إصلاحه ولا يترتب عليه حماية المجتمع من ضرره، لأن العقوبات في هذه الحالة لا يمكن أن تفي بإحداث التوازن في الطبيعة البشرية للجاني، فأخص خصائص الإنسان هي تلك الدائرة الخاصة التي يطلق فيها الفرد العنان لرغباته ونزواته بعيداً عن رقابة الآخرين وسلطة المجتمع ومؤسساته، وهي ميول ليس من الضرورة أن تنسجم مع المزاج العام، فما دام أنها محصورة بين الجدران، فلترتكب كل نفس رعوناتها. وإلا فما الفرق بين التدخين وبين فعلة السيد ستيوارت؟
إن بعض الأشخاص غريبي الأطوار وذوي الممارسات الشاذة الجنسية منها وغيرها، قد يبقون لسنوات طويلة محافظين على صورتهم المعتدلة في نظر الآخرين ويتمتعون باحترام وثقة من يتعاملون معهم، وخصوصاً إذا كانوا من الشخصيات النافذة في المجتمع أو من الأسماء البارزة والناجحة في مجالها، وبالنسبة للناضجين ومن تجاوزوا سنوات المراهقة وطيش الشباب فقد يقضون الباقي من سنوات أعمارهم وهم في مأمن من كشف الجانب القاتم من شخصياتهم، وهذا النوع من الشذوذ كما في قصة الاسكتلندي البائس هو مأمون الجانب، لأن المخيلة لا يمكن أن تسبغ رداءها وتصل به إلى الذروة إلا ضمن شروط الفعل نفسه واكتمال أركانه: السيد ستيوارت +الدراجة+ الاختلاء الكامل، وإذا اختل أحد هذه الأركان فلن يتحقق الفعل، ولا الدافع لدى الفاعل، والدراجة ليست قطة ولا حمارة ولا نعامة، لكي يدان بالاعتداء على حيوان، وهو الأمر الذي يدينه الإسلام أيضاً ويعاقب عليه. هذا النوع من الممارسات يبدأ منذ الصغر في الفترات المبكرة من العمر وقد تبقى ملازمة للإنسان حتى بعد الكهولة، وقد يعاني أمثال هؤلاء من علاقة غير سوية بالمرأة، وخجل وتأثم ولكنهم غير خطرين، بخلاف الذين يجدون نشوتهم الروحية قرب القاصرين من الإناث والذكور، وإن لم يتحقق فيهم مقدمات الفاحشة وفي برنامج وثائقي أنتجته الـ”بي بي سي” عن مايكل جاكسون كانت شهادات الجميع وحديثه عن نفسه يؤكد أنه من هذا الصنف المهووس بالأطفال، ومثل هؤلاء قد يكونون أكثر خطورة، حينما لا تتحقق نشوتهم إلا بشذوذ غير تقليدي ينسجم مع نفوسهم غير السوية. وفي المجتمعات المغلقة والشديدة المحافظة يكثر فيها الأشخاص الذين يتعثرون في إقامة علاقة سوية مع امرأة وإن كانوا خارج حدود بلدانهم بعيداً عن أعين الرقباء، ويحتاجون إلى فترة طويلة للتعافي من عقدهم، ولكنهم جريئون للغاية حينما يقومون بتهريب دمى عبر المطارات قد تكون عاقبتها السجن والفضيحة والفصل من العمل، لأنهم يجدون الأمان مع صمتها ونظراتها الجامدة. وقد حكى لي أحدهم كيف أنه كان في منتصف الثمانينات يتكسب من تأجير دمية استطاع تهريبها إلى السعودية على أصدقائه ومعارفه حسب المدة التي ستقضيها الدمية في أحضانه، وفي مجتمعاتنا التي تتسامح مع نكاح المراهقات دون الثامنة عشرة، وتفاخر بزواج الصغيرات ذوات الخمسة عشر ربيعاً، وتتعاطى مع الواحدة منهن على أنها امرأة، فإن التعامل مع من ناهزن البلوغ من الصبايا كقاصرات هو أمر مايزال يحتاج إلى جيل جديد وعقود لتتحول النفرة واستبشاع ذلك إلى ثابت في صلب التعاليم التي تعجن بها النفوس منذ نعومة الأظفار. وهو أمر يبدو مستبعداً في المنظور القريب. وهؤلاء المراهقات هن الأكثر عذاباً لأنهن في منطقة رمادية ويقعن تحت ضغط قيم متناقضة تعكس تأثيرها في تصرف المجتمع معهن.
وقد ذكر الجاحظ في رسائله قصصاً من الممارسات الشاذة، ومنها أن رجلاً كان مشغوفاً برائحة المراحيض وكان يتتبع كنف البيوت في الأحياء ويحدث ثقباً فيها ويدس أنفه وينتشي ماشاء الله له أن ينتشي. في ثقافتنا الاجتماعية يجري التعاطي مع هؤلاء باعتبارهم مُبْتَلَيْنْ، أي ممن ابتلاهم الله بهذا الفعل، وغالباً ما ينظر إليهم بعين الشفقة وربما الشماتة أحياناً، وقد حدثني صديق أنه في صغره كان يتلصص هو وشقيقه الأكبر من سطح بيتهم في حي غبيرة في الرياض على جارهم وهو يجري تجارب متنوعة لسد عطشه الجنسي فمرة يضاجع بطيخة، وأحياناً يثقب لحمة يشتريها من الجزار ويدحمها، وذات مرة قرر أن يتحرش بدجاجة، وشطر قصة الدجاجة الآخر لست متأكداً أن ذاكرتي تسعدني فيه، وهو أنه قدم هو وأخوه بلاغاً إلى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن جاره، تبدو أجواء هذا المقال وكأنها كوميديا سوداء، ولكنها وقفة لاستجلاء بعض أغوار النفوس بكل غرائبها وتناقضاتها.
قصة السيد سيتورات لا تعكس إلا نفاق القضاء في بلد أوروبي يتجه اليوم ليحذو حذو هولندا بتشريع السماح بتعاطي جرعات مقننة من المخدرات، وفي بلد متحرر جنسياً يبيح الزواج المثلي، وقريب منها ما رواه لي صديق أوقف في سجن دار الملاحظة الاجتماعية العــام ,1989 حكى لي أن المــراقبين في الدار كانوا يوقفــون السجنــاء من المراهقين بعد انصرافهم من دورات المياه ويشمون أيديهم قبل توجههم للمغاسل للتأكد من أنهم لم يستخدموا الصابون الذي يعتبر دلالة على ممارسة العادة السرية. أذكر أنني اشتريت كتاباً قبل أربـــع سنوات عنوانه ”أخلاق للقرن الحادي والعشرين” كاتبه رجــل دين كاثوليكي خصص صفحات من كتابه للتحذير من العادة الســرية ناعياً فيها الأخلاق المسيحية والانحطاط في القيم منذراً بالشـرور والثبور جراء التهاون في التعاطي مع هذه العادة السيئــة.
كثيرون من أمثال هذا الكاتب ويشاركونه نظرته يتغاضون عن تحرشات الكهنة بالقاصرين ويتسترون عليهم، وفي الضفة الأخرى بعض من أئمة المساجد وشيوخ الدين الذين يمارسون مع طلبتهم والهائمين بهم الخزي، ومنهم بعض من المشرفين على المناشط الطلابية حداً مكن أحدهم قبل سنوات من تصوير صغار حلقة تحفيظ القرآن بالفيديو وهو يمارس شذوذه عليهم، أو ذلك الموجه الذي كان يبالغ في تحذير طلابه من العادة السرية حتى إنه كان يطلب من بعضهم أن يمارسوها معه لكي يعرفوا الشر فيحذروه، حتى يرتقوا في العلم بالشر من مرتبة علم اليقين إلى عين اليقين وحقه، أو ذلك الذي كان له تفسيره الخاص لوصية النبي ”من فرج عن مؤمن كربة في الدنيا فرج الله عنه كربه يوم القيامة”، حيث نقلها مع بعض أحبابه في الله إلى مجال آخر لا يستثني كربة الكبت الجنسي.