أقوى الأجوبة دائماً هو أسهلها، قطر لابد أن تبقى مريضة ومعلولة لكي تكتشف عبر الوقت فداحة جرائمها. لابد أن يشعر تميم بن حمد ووالده الحاكم الأسبق وفريقهما بالقلق والتخوف من جيرانهم الذين كانوا مسرحاً لأحابيلهم سنوات طوالا. أن يكون القطريون في غاية التوجس والوجل من انعكاسات أنشطتهم الشريرة وارتدادها عليهم هو وسيلة الردع الكبرى لتحجيم شرورهم. العالم تحكمه القوة، قوة السلاح وقوة الاقتصاد، والسياسة بنتهما، حين تكون ناعماً فالقوة الناعمة تكسر ظهرك، وحين تكون قوياً والولاء راسخاً لك في قلوب شعبك، ومواطنوك مؤمنون بوطنهم وبقيادتهم وبرسالتهم، فالحرب الإعلامية تقويك وتغرر بك السذج وربما تجرئ الحمقى. نعم. هي مزعجة حقاً، ولكن مآلها إلى شتات.
الحقيقة أن القوة هي الرادع الوحيد للأوغاد، بدونها لن نشعر بالأمن. لا الحوار ولا المصالح المشتركة ولا التحمل ولا العفو يمكنها أن تكف يد المستهتر بك عن العبث بأمنك، وتخبيب أبنائك، وحدها القوة وزرع الرعب. تبدو هذه هي الوسائل الأكثر وحشية وبدائية، ولكنها هي الأخصر والأجدى. على القطريين أن يفهموا أنه حتى لو حال الزمان وجار، وعادت بنا يوماً السنون إلى ما كان عليه أسلافنا من الفاقة، فإن قطر لن يمكنها أن تقتلع نفسها من محيطها، سيرحل الأميركان وقواعدهم، وسيعود الأتراك وانكشاريتهم إلى بلادهم. ويبقى القطريون وجهاً لوجه لا عاصم لهم من جيرانهم ولا مناص.
قطر عضو فاسد لا يمكن إصلاحه مع وجود القيادة القطرية الحالية. إن الدعاية الإعلامية والبرامج والندوات والمحاضرات والمؤتمرات، التي تستهدف قطر لن يكون لها أي تأثير مؤلم يحدث شرخاً في العمق القطري، ويستقطب الحلفاء، إذا كان الشيخ تميم ووالده وجنودهما يؤوون إلى ركن شديد، مستمرين في نسج المؤامرات ودفع الأموال لأبنائنا والمقيمين على أراضينا. تأثير الإعلام سيكون سطحياً مع نظام يقول عن نفسه إن جلده صلب وخشن، لأن قصارى ما يمكن أن ننجح فيه هو ربط القيادة القطرية المارقة بدعم الإرهاب وتمويله وحراسته مستندين إلى آلاف الوثائق والمعلومات ونتائج التحقيقات. هذا يكاد يكون الآن واضحاً كالشمس، ومع ذلك لا يزال القطريون يجدون من الدول الكبرى من يدعو الجميع إلى التأني والحوار. إطالة أمد المقاطعة التي يراها القطريون حصاراً هي السبيل الأمثل لإنهاك الوحش، ومساعدة قطر على التعافي بعد فترة طويلة.
الآن في هذه اللحظة في ظل البلاء الذي ينهش في السياسة الدولية فإنه يمكنك أن تكون ممولاً للإرهاب ومساهماً في صنع السلام، وأن تكافأ على ذلك بأن تنظم المونديال لكي تنشر رسالة الحب والتعايش، وأنت تغذي تنظيمات مسلحة في الشرق والغرب.
ولكن علينا طرح أسئلة أكثر عمقاً: لماذا تهاوى بعض من أبنائنا أمام المال القطري؟ لماذا كثير من المشايخ، ومن يوصفون بالدعاة، وبعض من الناشطين الاجتماعيين، ونجوم الإعلام وبعض المثقفين العرب وأبناء القبائل والليبراليين سمحوا لأنفسهم أكثر من عقدين أن يكونوا شركاء في المؤامرة؟
إن بعضاً من النواب والشيوخ في الولايات المتحدة الأميركية يرددون في وجوه الخليجيين والسعوديين على وجه الخصوص: «لقد أفسدكم الثراء الفاحش، لابد أن تفتقر هذه المنطقة من العالم، لكي لا تعودوا مرة أخرى إلى استهداف أمننا وتنفقوا أموالكم للإضرار بنا».
الحقيقة إن إهمال هذه المخاطر قرابة العقدين كانت ثمرته ما رأيناه في السنوات السبع الماضية، إننا لا نزال حتى هذه اللحظة معرضين للخطر. لقد سمحنا بأن يستغل أبناؤنا وتتسرب أموالنا إلى من هو أكثر الناس إضراراً بنا.