لطالما كان وراء قوائم الإرهاب قوائم أكبر وأخطر لدائرة واسعة من الغلاة والحركيين ورجال دين ودعاة، ووعاظ وحركيين ناشطين. هذه المرة يوسف القرضاوي واحد من المطلوبين في قضايا الإرهاب. لقد كان القرضاوي ولا يزال -ويا للأسف- واحداً من الفقهاء المبجلين، ويحظى باحترام كبير في أكثر من دولة خليجية، وفي غيرها من دول العالم الإسلامي! أخيراً تحرك المجمع الفقهي لا دافعاً من ذاته ومن أعضائه، ولكن بعدما تحرك الساسة لحماية مجتمعاتهم. كان يفترض بأعضاء المجمع الفقهي أن يكونوا منذ سنوات أول من يبادر إلى فضح خيانة زملائهم لأمانة علمهم الذي شرفوا به، فجعلوا منه أداة فتاكة لتدمير العقول وإفساد الأرواح وإثارة القلاقل وسفك الدماء. آن الأوان لكي يبدأ فقهاء المسلمين في مقدمتهم المجالس والمجامع الفقهية بحرب داخلية، إصلاحاً ذاتياً، بدء الخطوة الأولى لولادة روح فقهية مسؤولة تأخذ زمام المبادرة، وتحمي أرواح وعقول وسلام مجتمعات العالم الإسلامي.
إن القادة السياسيين في العالم الإسلامي، وفي الخليج خصوصاً، مطالبون بأن يلزموا المجامع والمجالس الفقهية أن تصدر قوائمها عن أولئك الذين خانوا الأمانة واتخذوا الدين وسيلة للأهداف الحزبية والأجندة الخبيثة السرية والإفساد في الأرض. على فقهائنا أن يتجرعوا مرارة غضب الحركيين ولو مرة واحدة. ما الذي يجعل من رابطة العالم الإسلامي التي تحتضن المجمع الفقهي تصمت سنين طوالاً حتى تلغي عضوية أحد شيوخ الإرهاب، والذي ظهرت البراهين على انحرافه وضلاله منذ سنوات بعيدة!
علينا أن نتساءل عن سبب تقاعس الفقهاء في كشف حقيقة زميل لهم انحرف عن جادة الصواب، لمَ يتلكؤون دائماً عن مواجهة خائني العلم وأمانته؟ لمَ يعوِّل القادة السياسيون على أدوارهم المهمة في كشف مروجي الإرهاب وهم يتحاشون المعركة؟ على فقهاء المسلمين ومجامعهم أن يزودونا على الدوام بقوائم المدعين والمزيفين، أولئك الذين هم في الحقيقة أكثر خطورة على الفكر والعقول والأرواح والثقافة من شاب تحول إلى أداة أو من رجل أعمال أو وسيط غدا مصدر تمويل لعملية أو عمليتين!
لطالما كرر الفقهاء والمفتون في دروسهم ومؤلفاتهم آيات قرآنية وأحاديث نبوية وآثاراً عن السلف تؤكد الأمانة العظيمة والعبء الكبير على كواهلهم، ولطالما سردوا القصص الملهمة عن موقف اختار العالم فيه كلمة الحق على رضا الناس، ورغبة الأمير، وحلاوة العطاء، واليوم عليهم أن يعوا أن مفتياً كيوسف القرضاوي أو الليبي الصادق الغرياني أو الصلابي هم أكثر خطورة على الإسلام والشباب والعقول والأرواح من كثير من قوائم التحريم التي يجلدون بها الناس ليلاً ونهاراً. يحتاج المسلمون أيضاً الوقاية من مفتين وملتحين خليجيين تورطوا بالتحريض والإفتاء والدعم المعنوي للإرهاب. ربما يكون هذا أيضاً واحداً من مسؤوليات مركز الحرب الفكرية في التحالف الإسلامي العسكري.
لو أن فقهاءنا المحترمين منذ بزغت الفتنة في عالمنا الإسلامي، وفي دول الجزيرة العربية وخليجنا الآمن، اضطلعوا بمسؤوليتهم في بيان جرائم زملائهم من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أو من المجامع والمجالس واللجان الفقهية، أو حتى من المفتين في الفضائيات والدجالين من ملتحي «الإخوان المسلمين»، لما واجهت المجتمعات والساسة عناء في مكافحة هذه الفئة التي لا نزال وسنبقى نبقى نعاني من سمومها.
تلك هي مسؤولية الصادقين من رجال الدين والمجامع والمجالس الفقهية. نحتاج منكم على الدوام قوائم بالمتطرفين أولاً، وثانياً بمن يدعمون القتل وسفك الدماء، فلا أحد أقدر منكم على تمييز الغلاة والتكفيريين. هذه هي مسؤوليتكم الكبرى أمام الله وأمام خلقه، افضحوا خونة الأمانة من زملائكم ممن تسوّروا على مقام الدين الرفيع، وممن يقحمون أنفسهم ضمن نخبتكم ولكنهم يفسدون الأرواح والبلاد ويعيثون في الأرض دماراً.