في زيارة قمت بها مع زملائي من مركز «المسبار» للدراسات والبحوث منتصف شهر مارس الماضي، أهدى إليّ مدير مركز محمد بن نايف اللواء الدكتور ناصر المحيا نسخة خاصة من كتاب يتناول فيه مؤلفه الحجج والدعاوى الدينية والمسوغات الشرعية للإرهابيين معتنقي الأفكار المتطرفة.
إلى حد كبير يؤمن السعوديون عميق الإيمان بأن تفسيرهم للإسلام الذي يحظى بدعم واسع وهائل متجذر في مؤسسات التعليم والشؤون الدينية ووسائل الإعلام، هو المنهج الوسط الكفيل بحماية المجتمع من الانزلاق نحو الإرهاب وما يوصف بالفكر التكفيري.
يعطي هذا الكتاب الذي أَهداه إليَّ مدير مركز محمد بن نايف تصوراً أميناً عن المنهج والرؤية وطريقة تفكير القائمين على الجانب الشرعي ضمن لجان المناصحة التي شارك فيها منذ بدايتها حتى لحظة نشر هذه المقالة ما يربو على 180 متخصصاً. يمكن وصف مضمون هذا الكتاب وما احتواه من حجج رد بها المؤلف المسوغات الشرعية لجرائم الإرهاب بأنه رؤية خاصة منسجمة إلى حد كبير مع المذهب الديني الرسمي للمملكة، ويتوافق مع فتاوى واجتهادات علماء الدين السعوديين منذ الشيخ محمد بن عبدالوهاب. وهذه الإشارة مهمة لأنها كما يبدو لي تمثل واحداً من الأسباب التي يمتنع لأجلها القائمون على مركز محمد بن نايف من تزويد جهات دولية ودول عربية بخلاصة الرؤية الدينية للجنة المناصحة، يفسر المحيا هذا العزوف بأن «السعوديين يؤمنون بأن لكل مجتمع خصوصياته، وأن ما يتناسب مع البيئة الدينية الثقافية والاجتماعية في المملكة قد لايجد تربة خصبة في بيئة أخرى».
أياً يكن الانطباع الذي يخلص إليه من اطلع على هذه المضامين الشرعية من الباحثين، فإن القائمين على المركز لديهم عميق الاقتناع بأنهم وجدوها أفضل ما يمكن في إعادة المنحرفين إلى جادة الصواب، متضافرة مع الجوانب الأخرى من برامج التأهيل بما فيها العلاج بالفن التشكيلي، ومع ذلك لا يمكن التسليم بهذا التبرير.
الجانب الشرعي في لجان المناصحة كان هو أكثر ما تناولته الصحافة ووسائل الإعلام في السنوات المنصرمة، وهذا يعود إلى أن بعضاً ممن أشيع عنهم بأنهم من أعضاء المناصحة هم من فئة الملتحين من نجوم إعلاميين ممن يعرفون بالدعاة، وتسببت مواقف وتصريحات لبعضهم كشفت عن ميول حزبية وحركية أو نزعة غلو في الدين، بأن تكون لجان المناصحة عرضة للنقد والتشكيك واتهام القائمين عليها بالتعاطف مع بعض الأفكار المتطرفة، وكانت بعض الأسماء التي تضمنتها قوائم وزارة الداخلية لمطلوبين ممن سبق أن استفادوا من برامج مركز الأمير محمد بن نايف سبباً إضافياً في سحابة قاتمة حول مخرجات المركز.
يعترف السعوديون بجوانب القصور ويقدمون إجابات قابلة للنقاش حول أسباب الارتكاس التي يؤكد القائمون على المركز بأنها لا تتجاوز 14% شاملة كل من خالف شروط الإفراج عنه سواء مارس العنف أو أثبتت التقارير والتحريات أنه لا يزال معتنقاً أو مبشراً بالأفكار المتطرفة التي أوقف بسببها. القائمون على مركز محمد بن نايف مقتنعون بأن هذه التجربة جديرة بالدراسة والاستفادة، ويستقبلون على الدوام وفوداً من شتى أنحاء العالم يقدمون لهم خبرتهم في مكافحة الإرهاب وتأهيل المتطرفين، كما أن لديهم إجابة نابعة من شعور بالاعتزاز: «نحن نستند إلى تجربة مبنية على وقائع، على مختبر من آلاف الموقوفين الذين مروا بالسجون، وآلاف المستفيدين من برامج التأهيل والرعاية، ومشاركة آلاف الأسر في هذا البرنامج، بينما هناك مراكز حول العالم حظها التنظير». كما يقول مدير مركز محمد بن نايف.