كشفت الشرطة البريطانية عن نتائج دراسة استغرقت سنوات طويلة عن «خريطة الإرهاب في بريطانيا»، التي تغطي قرابة 19 عاماً من الأحداث الإرهابية. وحسب ما نشرته «الصنداي تايمز» وتناقلته وسائل إعلام عربية، فإن هذه الدراسة تنفي أن الإنترنت هو السبب الرئيس في التجنيد، وأن ما يسمى بظاهرة الذئاب المنفردة لا حقيقة لها، لأن كل الذين تورطوا في العمليات الإجرامية أو شرعوا فيها كان لهم تواصل مع مجموعات تعتنق الفكر «الجهادي».
أشار رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير في مشاركته في «أسبين أبوظبي منتدى الأفكار» السبت الماضي إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت قوة مدمرة، حيث تقوم بعمل جماعات منفصلة لا تتصل ببعضها. بلير يذهب إلى أن ظاهرة الأخبار الزائفة والتأثير على عمل الأحزاب السياسية وتشجيع الاستيلاء عليها هي إحدى نتائج هذا التأثير السلبي للإنترنت. وفي مقابلة لـ«بي بي سي» العربية مع وزيرة العدل الفرنسية السابقة رشيدة داتي ذكرت هذه النقطة بالتحديد بعد أن استعرضت ثمرة زياراتها للسجون الفرنسية والتقائها بمجموعة ممن يقضون أحكاماً في السجن لانخراطهم في أنشطة «داعش»، حيث أكدت أن العامل الأول في تجنيد هؤلاء الشباب «الأطفال» حسب تعبيرها «هي الإنترنت ثم رفقة السجون»، مشيرة إلى أن الشركات التي تجني المليارات من الإنترنت قادرة على أن تقوم بعمل رقابي صارم على كل ما ينشر. وأن عليهم أن يتحملوا المسؤولية الجنائية عن نشر هذه الأيديولوجيا. وتقول داتي إنها قامت بزيارة عدد من الدول العربية بما فيها السعودية والإمارات، ولاحظت أن «الإمارات لديها تجربة مفيدة جداً، حيث أنشأت حسابات على الإنترنت تكافح الأفكار المتطرفة هي الأفضل في المنطقة».
في عبارة موجزة وبالغة الدلالة عن حقيقة ما يجري قرأتها الأسبوع الماضي أثناء قراءتي أو التقطتها أثناء نقاش حول هذه المسألة خلاصتها «أن المحافظة الدينية الشديدة لأي مجتمع هي أحد الأسباب في انخراط أبنائه في التنظيمات المتطرفة».
وأنا أفهم هذه العبارة بأن الفضاء الاجتماعي إذا كان مشبعاً بالدين، فإن نسبة الشباب الذين يترجمون عن طموحاتهم وتحقيق ذواتهم عبر الانجراف في التنظيمات المسلحة هي أكبر من غيرها في مجتمع آخر أقل محافظة. ولكن رشيدة داتي في إجابتها لـ«بي بي سي» عن أسباب انخراط الفرنسيين المغاربة من الجيل الرابع والخامس الذين هم أكثر اندماجاً في الثقافة الفرنسية وأعمق إيماناً بالعلمانية الفرنسية في الإرهاب و«الجهاد» تقول «لأنهم اندمجوا تماماً، ولكنهم فوجئوا في النهاية بأنهم مرفوضون ويتعرضون للعنصرية، الأمر الذي أحدث لهم ردة فعل».
مؤخراً لاحظ المراقبون النشاط المحموم لتنظيم «داعش» في شرق آسيا، في الصين والهند والفلبين. ربما يبدو من المبكر الحديث عن الفشل المحتوم لأي نشاط لـ«داعش» خارج مناطق نفوذه التي أكسبته اهتماماً عالمياً وخصوصاً في الصين والهند. إن التاريخ والسيرة الذاتية للمجتمعات الإسلامية في شرق وجنوب شرق آسيا تعطينا لمحة موجزة عن تخيلنا لمستقبل «داعش». وهنا يمكنني أن أستحضر ما ذكره المفكر التونسي محمد الحداد في مقالته في جريدة «الحياة» الأسبوع الماضي نقلاً عن مفكر ألماني ذكر أن الصين واليابان تعرضتا للاحتلال، ولكن هذا الإرث لم يصنع من الصينيين واليابانيين أمتين حانقتين لا يهدأ غضبهما ولا تندمل جراحهما مما يدفع شبابهما للانجراف في الإرهاب. يرى الحداد أن الفرق بين المسلمين الأتراك في ألمانيا وهم 3 ملايين وبين الألمان من أصول عربية الذين تورطوا في الإرهاب، هو الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين الذي يسبب لهم المهانة والشعور بالانتقام، خلافاً للألمان من أصول تركية!