الجزء الأول
في سلسلة من الصوتيات يحكي منصور النقيدان عن مواقف وقصص عن سنوات مراهقته وشبابه التي قضاها مع إخوان بريدة، منذ العام 1985 حتى 1990، وعن تفاصيل حياتهم اليومية، وعن عبادهم وزهادهم، والمواقف الطريفة التي كان شاهداً عليها.
كما يروي النقيدان عن تفاصيل الفروقات والخلافات بين شيوخ تلك الجماعة التي كانت فبانت، ويشرح أسباب الصدام الذي حصل في بريدة في العام 1407 هج/ 1986 -1987 بين إخوان بريدة الذين كانوا يمثلون الوهابية التقليدية، وبين التيار الصحوي الحركي –السرورية، ويسلط الضوء لأول مرة عن أسباب الخلاف، وعوامل هيمنة الصحويين بعدها، مفسراً ذلك بالدهاء الحركي الذي كان يميزهم مقارنة بإخوان بريدة الذين كانوا يفتقدون االقدرة على التخطيط والتآمر.
وفي هذه السلسلة يبين النقيدان أسباب الضعف في التأليف، والركاكة في التعبير والإنشاء، الذي كان يميز أدبيات إخوان بريدة والأوراق والكراريس التي كانوا يصدرونها أو المؤلفات التي كان يصدرها بعض من شيوخهم، وأن هذه الركاكة هي سمة لازمت أغلب مؤلفات أئمة الدعوة النجدية منذ الشيخ محمد بن عبدالوهاب، مع استثناءات نادرة.
ويقول النقيدان: إنه كان محظوظاً لأنه قضى سنوات مراهقته بين الكتب وحلق العلم، وأن شيوخ الإخوان الذين كان يتتلمذ عليهم كانوا حريصين على أن يلتزم السالك الجديد من الناشئة حديثُ العهد بجماعتهم طريقَ طلب العلم، لأنه هو الطريقة المثلى للحفاظ عليهم بعيداً عن بنيات الطريق التي قد تعترض طريقهم وتجعل منهم أميين عوامَّ.
كما يسلط الضوء لأول مرة على فكرة الهجرة التي سكنت إخوان بريدة، وموقف الشيخ فهد بن عبيد العبدالمحسن الذي كان معارضاً لفكرة الهجرة والاعتزال عن الناس في أطراف المدينة أو بعيداً عن الحاضرة، موضحاً نقاط التوافق والتصادم الذي كان يجلل علاقة الجماعة السلفية المحتسبة التي كان يتزعمها جهيمان العتيبي بإخوان بريدة.
الجزء الأول:
الجزء الثاني
الشيخ فهد العبيد والصدام مع سرورية بريدة
في الجزء الثاني يصف منصور النقيدان ذكرياته عن إخوان بريدة وعن لقائه الأول بالشيخ فهد بن عبيد آل عبدالمحسن، الذي عرف بين إخوان بريدة بـ(الاخ)، و(أبوعبدالرحمن)
ولد فهد العبيد في العام 1328هج/1907 تقريبا في بريدة، وتوفي يوم 24 جمادى الآخرة 1422هج/ 13 سبتمبر 2001، عن عمر ناهز الثالثة والتسعين، قضاها منذ يفاعه في الوعظ والقص والتذكير، والاحتساب، ومساعدة المحتاجين، ورقية المرضى، كما عرف عنه زهده وتقشفه في العيش رغم ثرائه الذي اقترن بكرمه وسخائه ونبالته. بدأ فهد العبيد منذ مراهقته إرشاد العامة في مجامع الناس وفي المساجد وفي الولائم التي كانت مقتصرة على عشرات من مريديه وأحبابه. وامتاز طوال أكثر من ثمانين عاماً بحسن التشبيه، والبلاغة والعبارات السيارة التي لم يسبق إليها، وسارت بين الناس كالأمثال.
ويشرح منصور في ذكرياته أسباب الخلاف والشحناء التي وقعت بين إخوان بريدة وبين التيار الصحوي الذي عرف بـ( السروري) الذي كان يجد في الشيخ صالح البليهي رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن أباً له ومرشداً ومرجعاً فقهياً. كان البليهي واحداً من كبار فقهاء الحنابلة في القرن العشرين، ومن أكثرهم أناقة وبهاء وجلالاً، كما عرف بإصراراه على مواقفه، واجتهاداته التي لم تكن تلقى قبولاً عند إخوان بريدة، وكذلك عند غيرهم.
كما تسرد الحكايات في التسجيل الصوتي بشكل موجز بدايات الافتراق بين الفريقين، وتكشف الذكريات عبر القصص والوقائع التي ذكرها النقيدان، أوالتي سيأتي الحديث عنها في الأجزاء اللاحقة، جانباً من صفة الحدة التي امتاز بها الوسط الديني وطلبة العلم في مدينة بريدة عاصمة منطقة القصيم.
لاتعبر هذه الحكايا والذكريات عن صورة وافية شاملة للمشهد الديني، وحياة المطاوعة في بريدة.إنها رواية لبعض وقائع وقصص وأحداث من منظور صاحبها الذي كان واحداً من معتنقي أفكار وهابية بريدة المخلصين الذين عرفوا بـ(الإخوان) الذين مثلوا امتداداً لمدرسة آل سليم، وهي تيار أسهم إلى حد كبير في إعادة صياغة التدين ومفهومه، وتمثله، وإعادة تفسير العقيدة، منذ هجرة آل سليم إلى بريدة بعد سقوط الدرعية العام 1814/١٢٣٤ هج.
استمع إلى الجزء الثاني:
الجزء الثالث
نزع المدرسة الدينية والهجرة إلى الخبيبية
بعد مايقرب من ستة وعشرين عاماً من تأسيسها، توقفت (المدرسة العلمية الأهلية) التي عرفت بـ(المدرسة الدينية) ببريدة، (أنشئت عام 1382 هجري/1962)، حيث نُزعت المدرسة من إشراف إخوان بريدة، ثم ضمت إلى وزارة المعارف في 1 محرم 1408 /1987.
أقيمت (المدرسة الدينية ) بإذن من الملك فيصل في العام نفسه الذي أقرت الدولة ثم فرضت تعليم مدارس البنات في البلاد وخصوصاً في بريدة، بعد تمنع واحتجاج من بعض الأهالي، خلافاً للغالبية الذين شجعوا وأيدوا تعليم الإناث، وكان منهم قلة متنورة أعلنت تأييدها وتشجيعها لفتحها. ومن المحتمل كما يرى النقيدان – في المراجعات التي ستلي هذه السلسلة- أن تأسيس المدرسة الدينية كان صفقة تسمح للإخوان بتدريس أبنائهم وبناتهم في مدارس يشرفون هم عليها ويضعون مقرراتها، بحيث تضمن سكوت إخوان بريدة والكف عن الاعتراض العلني، أو إثارة الناس في المساجد وفي الخطب والمواعظ ضد التعليم النظامي.
أنشئت المدرسة الدينية ( العلمية الأهلية) في مبنى طيني مجاور لمسجد البطين شمالي مصلى العيد جنوب بريدة، واقعة بين هذا المسجد ومسجد عمر بن سليم الذي لايبعد عن نظيره أكثر من مئة متر، وهي مسافة قصيرة جداً بين مسجدين، وقد نتج هذا الوضع عن مشاريع الحكومة بنزع الملكية في السبعينيات، لشق الطرق وتنظيم الأحياء، حيث حافظت بذلك معظم المساجد على مواقعها ولم يزل منها إلا عدد قليل مثل مسجد ناصر، ومسجد أبوعلطا. انتقلت المدرسة العلمية بعدها إلى مبناها الجديد بعد حادثة احتلال الحرم المكي في محرم 1400هج/ 1980 إلى المقر الأخير في البصيرية شمالي الركن الشمالي الشرقي لمقبرة الموطأ بين شارعي الملك فيصل وشارع القناة. كان للإخوان مدرستان واحدة للصبيان، والأخرى للبنات عرفت بمدرسة أم الرشودي في حي الفاخرية، وتديرها أم الشيخ محمد بن فهد الرشودي، وتضم مئات الفتيات كما تحوي الدينية مئات الطلبة.
ومع أن التوجيه الملكي في عهد الملك فهد بعد نزع المدرسة من إخوان بريدة كان بالحفاظ على مدرسيها وطلابها في أماكنهم ورفع مكافآتهم وصرفها من وزارة المعارف، إلا أن كثيراً من مدرسيها والمشرفين الإداريين عليها قد غادروها ولم يقبلوا البقاء فيها. بينما اختار البعض منهم البقاء، حيث ملأ الفراغ الناتج عن نقص المعلمين مدرسون جدد، بعض منهم من أبناء الجماعة، وآخرون من غيرهم.
وقد أحدثت هذه الواقعة انشقاقاً وشرخاً بين الجماعة، وألماً عميقاً نتج عن سوء إدراة الأزمة، وتفضيل الإخوان الانعزال والاستسلام، واختيارهم الاحتجاج الصامت، كما أشار إليه النقيدان في هذا الجزء الثالث، و بعد وفاة الشيخ صالح البليهي أطلق اسمه على المدرسة في دلالة رمزية تكثف ماحصل بين الطرفين من صدام، حيث ضمت نهائياً لوزارة المعارف.
كما يشرح منصور في هذا الجزء أسباب تهمة التكفير التي ألصقت بالشيخ عبدالله بن إبراهيم القرعاوي، أحد شيوخهم المؤثرين ، وإمام وخطيب الجامع الكبير في بريدة ، موضحاً أن ( تحقيق الكفر بالطاغوت) – التي نسبت إلى القرعاوي- من عدمه لمن يقرون صفات الود والصداقة مع غير المسلمين، ولمن أدخلوا أبناءهم مدارس الحكومة، كانت واحدة من التهم التي تسببت بضرب الإخوان وانتزاع مدرستهم والتضييق عليهم.
ويرى النقيدان أن كثيراً من العبارات الملتبسة، التي تطلق من قبل بعض طلبة العلم، ومنها ماأشير إليه أعلاه، كان لها تخريجاتها ضمن التفسير الوهابي للعقيدة، بما يتوافق مع مدرسة الإمام محمد بن عبدالوهاب ومن أئمة الدعوة النجدية، مؤكداً أن إخوان بريدة -تلك الفترة إلى بداية التسعينيات الميلادية- كانوا براء من لوثة التكفير أو نزع يد الطاعة والخروج على ولاة الأمر، خلافاً للجماعة السلفية المحتسبة (أهل الحديث) الذين وجدوا أنفسهم قريبي الصلة لإخوان بريدة في نهاية السبعينيات، ولكن العلاقة بين الطرفين كانت متوترة، فضلاً عن وجود لوثة تكفير داخل جماعة أهل الحديث في العامين الأخيرين قبل احتلالهم الحرم في نوفمبر 1979/1محرم 1400 هج.
كما يحكي النقيدان في الجزء الثالث قصة القطيعة والهجران التي وقعت بين اثنين من مشايخ الإخوان بسبب اعتناق اثنين من ابناء أحدهما لأفكار جماعة جهيمان، ومانتج عنه من تشكل تيار داخل الجماعة إثر هذا الخلاف.
كما يشرح النقيدان في هذا الجزء الثالث فكرة الهجرة والانعزال التي سيطرت على مجموعة كبيرة من إخوان بريدة، أواخر سبعينيات القرن الماضي/ تسعينيات القرن الهجري المنصرم، ومنها ولدت فكرة (الخبيبية) غرب بريدة، مهاجر الإخوان الجديد، مشيراً إلى أن خلافاً نشأ حول أساس الفكرة، وأن الشيخ فهد العبيد كان معارضاً لها.