يروي الأمير طلال بن عبدالعزيز آل سعود في شهادته على العصر مع قناة الجزيرة أنه كان وهو صبي يافع يشرف على اختيار الأفلام السينمائية التي كان يعرضها أمام إخوته من الأمراء والأميرات، وأن والده الملك المؤسس كان يتواجد أحياناً، ولكنه كان يبدي عدم رضاه إذا مر مشهد يُقبّل البطل فيه حبيبته. وذكر المؤرخ البحريني الراحل «خالد البسام» في واحد من كتبه الجميلة عن تاريخ الخليج تغطية الصحافة البحرينية لحضور الملك عبدالعزيز حفل افتتاح أول صالة عرض سينمائية في البحرين حيث شاهد الضيف والوفد المرافق عرضاً لفيلم سينمائي.
من أكثر الصور إثارة للإعجاب -وهي موجودة في أرشيف أرامكو وقامت دارة الملك عبدالعزيز بنشرها في كتاب عن أول رحلة ملكية لأرامكو،- نرى صورة معبرة للملك عبدالعزيز وفي الصف الثالث من الوفد الذي حضر العرض يظهر ماجد بن خثيلة، وهو يشاهد مع الملك فيلماً سينمائياً عرضته أرامكو. ماجد بن خثيلة كان واحداً من أهم الشخصيات المؤثرة مع إخوان من طاع الله الذين انتهت قصتهم في صدامهم مع الملك عام 1929 في واقعة السبلة. فلاذ بالفرار ثم عفى عنه الملك عبدالعزيز وأصبح بعد ذلك واحداً من المقربين إليه. في الصورة يظهر ابن خثيلة بعصابته تعبيراً عن تمسكه بتعاليم «الإخوان» ووفائه لماضيه.
في الفيلم السعودي الأشهر والأحدث «بركة يقابل بركة» نجد معاني الحب، والأمانة، والانكسار، والرشوة والمسرح، والثقافة، وشح الفضاءات الثقافية التي تفرغ طاقات الشباب، والأمل، وخداع الجمهور، وضياع المعنى، والبساطة والفقر، والإيمان العميق بالله، والتفاوت بين الفقراء والأغنياء، وإدراك معنى الحياة، الانتماء، العلاقة بين الجنسين، الجفاف العاطفي، وكيف ينظر أبناء الخمسين إلى شباب اليوم مقارنة بماضيهم وبساطتهم، بر الوالدين، الإيمان، والصلاة، والطيبين الذين يقعون فريسة أحزانهم ويلجؤون في لحظات الحزن الكئيبة إلى الكحول. يتناول الفيلم قضايا أخرى مثل تحمُّل عذابات الفقر عبر بلسم الحب والفأل في مستقبل أكثر بهجة، وعن أحلام الشباب الضائعة، والتحول الكبير في مجتمع جدة بين السبعينيات والثمانينيات في القرن الماضي الذي كان يتسم بالانفتاح والمرح، ومقارنة بالآثار النفسية والاجتماعية و التدهور الثقافي والفني الذي تسببت به الصحوة الإسلامية والتمدد الحركي في العقود الأربعة الماضية، هي صورة شبه أمينة عن مجتمع جدة الحضري، وعن طبقتين: الغنية جدا المترفة التائهة، والفقيرة جداً.
الفيلم خطوة صغيرة في عالم السينما، ولكنها كبيرة المعنى للسعوديين الذين يتطلعون ويسعون إلى أن يؤكدوا للعالم أنهم لا يختلفون عن باقي المجتمعات البشرية. كل يوم تقريباً تضخ وسائل التواصل الاجتماعي كلمات ومقاطع فيديو لسعوديين من الإناث والذكور تعبر عن حنين إلى عهد البساطة والسماحة التي عرفناها في سبعينيات القرن الماضي وما قبلها، وكما عشتها أنا طفلاً في مدينة «محافظ» في وسط السعودية مثل «بريدة» التي كان صغارها في نهاية السبعينيات يرددون ما يسمعونه من آبائهم وأمهاتهم من سخرية بالسحنات الكئيبة للتدين الغالي، كنا صغاراً ونحن دون العاشرة نردد كلمات ساخرة نطلقها على من يمر بحارتنا من تلك الشريحة من المطاوعة الذين لم تمض سنوات عشر حتى كانوا قد تغلغلوا في كل مؤسسات التربية والتعليم، يروي «بركة يقابل بركة» ما كان وما صار في لقطات شفيفة تهيل الدمع من مآقي من عرفوا تلك الحقبة. الآن السعوديون بقيادتهم الشابة مصممون هم أيضاً على أن يكونوا مجتمعاً طبيعياً كسائر خلق الله، وهم أيضاً يقولون للعالم: «امنحونا فرصة، فنحن نتغير نحو الأفضل، ولكننا لن نكون أسرع من التاريخ».