في أمسية صيفية على ضفاف المحيط الأطلسي، وبعد غروب الشمس بأقل من ساعة، كان شخص يتوسط ثمانية من أصدقائه ومرافقيه، بلباسه الرياضي، حاد النظرات، مربوع القامة، في بداية الخمسين من عمره، يحكي لضيوفه تفاصيل ما حدث: «كانت لحظات أشبه بالحلم، كنت أشعر وكأنني معلق، أو كأنني أطفو في فضاء منعدم الجاذبية، لم أكن أشعر لحظتها بأي ألم، كانت كأجزاء من الثانية، وأنا أردد في نفسي أحسن الظن بالله، أحسن الظن بالله»، هكذا وصف-وقتها- مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية السعودي الأمير محمد بن نايف، لحظات التفجير الذي استهدفه عام 2009 في منزله في جدة شرق السعودية، في إحدى ليالي شهر رمضان. جاءت محاولة اغتياله على يد سعودي قادم من اليمن، أظهر الندم على انضمامه ل«القاعدة:» مُصراً بعد أن فخخ مؤخرته، على أن يلتقي الأمير فور تسليمه نفسه.
تمثل هذه الحادثة واحدة من أخطر محاولات الاغتيال التي تعرض لها الأمير محمد بن نايف خلال أربعة عشر عاماً المنصرمة. يصف الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي في مقابلة أجرتها معه مجلة فورن أفيرز الخميس الماضي، أنه يتذكر جيداً تلك الحقبة التي وصفها بالمظلمة عندما قام بن لادن وأتباعه بشن هجمات في داخل المملكة، يقول الأمير: «ولكن تنظيم القاعدة سُحق على يد رجال الأمير محمد بن نايف».
تواجه الأجهزة الأمنية في المملكة نسلاً جديداً من الإرهابيين يصف خبير أمني التعاطي معهم بأنه أقرب إلى:«مهمة لاعب السيرك، فأنت عليك المشي فوق حبل مربوط بين جبلين، مغمض العينين، وفي الوقت ذاته بيدك اليمنى تحمل ذئباً يريد أن ينقض على غزال في اليد اليسرى».
بعد تولي الأمير محمد بن نايف ملف الإرهاب في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، استطاع أن يعيد صياغة الأجهزة الأمنية مشكلاً وعياً معقداً وخاصاً في فهم التطرف الديني وآليات تحوله إلى آلة قتل مخيفة، ولكن هذه المقاربة أيضاً لا تزال محل نقاش وإعادة نظر، ومثار جدل في وسائل الإعلام السعودية.
وقد واجهت المملكة أحداثاً دامية، استهدفت رجال الأمن في حوادث عديدة، كان آخرها يوم السبت الماضي في شمال الرياض، تكلل بالقضاء على واحد من أخطر المطلوبين على قوائم الإرهاب. وقد كان الملك سلمان بن عبدالعزيز نفسه يقود بلاده نحو التحول الكبير مع واحد من أخطر التحديات التي واجهتها المملكة واستهدفت الاستقرار والسلم الاجتماعي. ولكن الطريق أمام السعوديين قيادة وشعباً لايزال طويلاً.
تاريخ الإنسانية متخم بقصص القادة العظام الذين يتعرضون بين الفينة والأخرى إلى محاولات اغتيال، وهم يعون جيداً أنهم كل يوم عرضة لمخطط يُحاك في الخفاء، ولكن التاريخ نفسه يؤكد أيضاً أنهم غالباً ما يخرجون أكثر قوة وصلابة وأقل اكتراثاً بالمخاطر الشخصية، حيث يتولد بين جوانحهم شعور أخاذ وشفيف بأن رسالتهم السامية هي كالتميمة التي تحوطهم وتبني حولهم سياجاً من ألطاف القدر، حتى يستنفدوا مهمتهم على هذه البسيطة، ويؤدوا أمانتهم لمن يحملها بعدهم، وإذا كان يمكننا اختيار الأمير محمد بن نايف مثالاً صادقاً لهذه السنة التاريخية، فإن الأمر نفسه يتحقق بشكل أكبر على مستوى الأمم والدول والمجتمعات التي تمتلك خصوصية البقاء والتحدي، فقد واجهت المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها عام 1932، تحديات كبيرة، وأزمات خرجت منها على الدوام أكثر صلابة واستقراراً، ولهذا فالسعوديون هم اليوم أشد تصميماً وإرادة على استقرار وطنهم أكثر من أي وقت مضى، وهم أيضا مصممون على إضعاف منابع الإرهاب وقطع الشرايين التي تغذيه.