ذكر الرحالة والمؤرخ البريطاني جون- عبدالله فيلبي أن أبحاثه وغيره في منطقة اليمامة أكدت وجود معابد للزرادشتيين (المجوس). المؤرخ السعودي الراحل عبدالله العسكر الذي فارق دنيانا في أوائل شهر أغسطس الجاري، ذكر في محاضرة له أن غرب الرياض وتحديداً مدينة القويعية الواقعة على طريق الحجاز كانت تحوي مناجم للذهب، وأن هذا ربما كان أحد العوامل التي دفعت الفرس قبل الإسلام بقرابة أربعة عقود إلى عقد حلف مع ملك اليمامة عوذة بن علي، وأن وقوع اليمامة بين فارس واليمن جعلها ذات موقع استراتيجي مهم لملوك فارس. وسواء تأكدت الروايات، التي تشير إلى أن اليمامة كان يقطنها أكثر من 100 من الفرس أو يزيدون وكانوا يقيمون بين أهلها وقبائلها، وأنهم تداخلوا مع سكانها وصاهروهم، ولم يعودوا إلى ديارهم كما يؤكده العسكر، سواء تأكدت أم لا، فإن الأبحاث التي جاءت بعد «فيلبي» رغم قلتها تؤكد حسب العسكر أن معابد المجوس كانت منتشرة في اليمامة في قلب نجد في فترة ظهور الإسلام.
وقبل سنوات أربع مضت، ذكر لي مؤرخ سعودي معني بتاريخ نجد أن عادة إيقاد النار في عز الصيف التي لا يزال بعض من كبار السن في نجد يفعلونها، ويرونها إحدى وسائل الاستشفاء «النار علاج»، والمهدئات النفسية، تعود تقريباً إلى هذا الإرث البعيد جداً الذي ربما توارثته الأجيال وبقي على أي حال عادة عند قلة من النجديين. ومع أن ابن قيم الجوزية في كتابه «مفتاح دار السعادة» ذكر من وجوه رده على إبليس بتفضيله النار على الطين أن من صفات النار الطيش والاستعجال، فإن بعضاً من شيوخ البادية والحاضرة يرون في إدمان النظر إلى النار أحد أسباب الحكمة!.
يرى الكاتب والإعلامي الإماراتي محمد الهاشمي في دراسة صغيرة له أن من بين ألفاظ التنابز التي يخصصها كثير من أتباع السنة للشيعة أنهم «مجوس» عبدة للنار، وكان للموروث شيء من التأثير على هذه الفكرة التي تشكلت وتصاعدت وتيرتها حتى عصرنا الحالي بسبب التوتر الجاري بين ضفتي الخليج العربي، حتى صار هناك ربط بين الشيعة وعبادة النار وبين الشيعة والفارسية الزرادشتية، وبين الشيعة والحقد على العرب أو العكس. وأشار الباحث الإماراتي إلى المؤتمرات العالمية السنوية التي يعقدها الزرادشتيون الذين يؤكدون خلالها عبر الأبحاث والأوراق، التهميش والقمع الذي يخضع له أتباع هذه الديانة عقب الثورة الخمينية. يقول الهاشمي إن هذه الديانة كان يعتنقها عند ظهور الإسلام قرابة خمسين مليوناً، واليوم بعد أكثر من 1400 عام، لا يتجاوز أتباعها داخل إيران مئة ألف زرادشتي.
ويذهب الكاتب إلى أن مشاعر العداء بين العرب السنة والإيرانيين الشيعة، انتقلت بدورها إلى كتب المستشرقين الغربيين الذين كتبوا ونقلوا عن الإسلام، كما وصلت الفكرة نفسها إلى كثير من الباحثين الغربيين المعاصرين وهم مهتمون بفهم جذور الإرهاب على خلفية أحداث 11 سبتمبر، وظهور حركات «القاعدة» و«داعش». وقد حاول هؤلاء فهم مرجعية الفكرة أن الشيعة «مجوس»، أي أنهم «كفرة» بطبيعة الحال، بسبر أغوار الفهم السلفي السني الذي قوى بدوره اعتقاد أهل السنة بمجوسية الشيعة! دون أن يغفلوا الأهمية التاريخية للموروث الزرادشتي الفارسي وتأثيره في الأديان السماوية كافة، وهو ما يتضح فيما عرضه في دراسته من آراء واستشهادات. ويقول الهاشمي: «من المهم أن نفهم كيف يرى العالم غير المسلم أوجه هذا الصراع السني الشيعي، وبالتحديد كيف يروي فكرة اعتقاد أهل السنة أن الشيعة «مجوس»!».