خطر الجماعات التي تتذرع بالدين لأهدافها السياسية، سواء أعلنت مرجعيتها السلفية وتوسلت صفاء الاعتقاد، وسلامة المنهج، أو كانت ألصق بالحركية «الإخوانية» وداهنت بإظهار نفسها أكثر تسامحاً مع الطرقية والمذهبية، أو مزجت بين لونين أو ثلاثة من التنويعة الإسلاموية، بحركية وخلايا و«إخوانية» مع ميل نحو النقاء العقائدي، فإنها كلها تجعل من دولة «داعش» منتهى آمالها وغاية مخططاتها. كل هؤلاء يشملهم مسمى واحد، أسهم بقسط كبير من المعاناة والدمار والتخلف وإفساد العقول ونشر الرعب الذي ضرب العالم الإسلامي منذ عقود وهم «الإسلاميون».
ولكن، علينا أن نكون أكثر حذراً في مراقبتنا لصعود أصوات الكراهية التي تتنامى ضد المسلمين في العالم إجمالاً، في أميركا، وفي أوروبا على وجه التحديد. هذه الموجة التي من الطبيعي ألا تستثني المنظمات والحركات الإسلامية العاملة في الغرب، في الوقت الذي تستهدف المساجد والشعائر وسلوكيات المسلم العادي المسالم. إن حركات الإسلام السياسي المقيمة في أوروبا التي توصف بـ«الإسلام المعتدل» تعقد منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي شراكات مع الحكومات وأجهزة الأمن المحلية، وفي أكثر من بلد أوروبي تكاد تحتكر تمثيل المسلمين، وكانت شريكاً للحكومات في كثير من البرامج والمشاريع ما أعلن عنه، أو ما بقي سراً ومخفياً، وهي اليوم -بغض النظر عن علاقاتها المباشرة وغير المباشرة بالمنظمات الإرهابية والتنظيم السري لـ«الإخوان» في المنطقة العربية، وتورطها في دعم مخططات التنظيم في بلدانها الأصلية في المنطقة العربية- هي اليوم ضمن أهداف موجة التطرف والعداء للمسلمين. نحتاج أن نكون حذرين في إبداء البهجة الآن تجاه استهدافها، لأنه في هذه اللحظة الملتبسة قد يبدو الجذل وكأنه شعور فرِح بالتضييق على المسلمين، ولكن في الوقت نفسه علينا العمل على التبشير بممثلي إسلام أكثر سلاماً ومحبة وأقدر على التعايش.
إذا أخذنا في الاعتبار أن المسلمين اليوم يعيشون في الغرب فترة حرجة وقاسية، وأنه يمكن لهذه المحنة التي تعضهم وتثير مخاوفهم أن تجعل المجتمعات المسلمة في الغرب أكثر محافظة وانطواء مما سبق كما هو الحال في فرنسا مثلاً، وبالتالي فقد يدفعهم هذا لأن يكونوا أكثر التحاماً بهذه المنظمات وقياداتها من أي وقت سبق، فإن الحكمة تقول إن على الدول التي تحمل على كاهلها رسالة التبصير بالإسلام المتحضر المعتدل ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة، وتدرك المرامي الخبيثة لهذه المنظمات السرية، أن تستثمر المزاج الغربي اللحظة هذه في مشروع كبير يستهدف الإحلال والاستبدال، أي اقتناص الفرصة الآن للدفع بشكل أكبر نحو استحواذ رموز الإسلام التقليدي الأكثر اعتدالاً، وقبولاً للتعايش والتنوع، وتشجع الحكومات الغربية على انتزاع المؤسسات والجمعيات لتشرف عليها مجالس وقيادات مسلمة متحضرة وتقليدية أكثر اندماجاً مع القيم الغربية.
الموجة التي تتنامى ضد المسلمين بعمومهم، ومن المستبعد انحسارها في المستقبل المنظور، لن تستثني أي جمعية أو منظمة نشطة في العالم الغربي، ليس لأن المنظمات التي يهيمن عليها «الإخوان المسلمون» أصبحت أهدافها ومخططات القائمين عليها مفضوحة لدى السياسيين أو صناع الإعلام أو الخبراء والناشطين في مجال حقوق الإنسان، بل لأن هذه الجمعيات والمنظمات استأثرت عبر عقود طويلة بالمناشط والاحتفالات والبرامج المجتمعية، وكانت تضع نفسها على الدوام في مماهاة مع الأقليات المسلمة، أي أنها كانت تبادر على الدوام إلى الدفاع عن حقوقهم، وتنشط في وسائل الإعلام وتجمع التبرعات، وتقدم نفسها على أنها هي الممثلة للمسلمين، وهنا يكون التحدي أكبر، إذا انضاف إلى كل هذا تنامي التشدد والتطرف في منطقتنا العربية، وخصوصاً بعدما يجري الآن في العراق وسوريا واليمن.