من الواضح أن الدعاية المضادة السيئة التي تعرضت لها السعودية والإمارات في السنوات الست الماضية مرشحة الآن للانتعاش. فمواقع إخبارية كانت تنشط في استهداف الإمارات لسنوات اختفت في الربع الأول من عام 2015، ولكنها عادت الآن تنشط، وغير خافٍ أن حرب اليمن وتطوراتها، والتطور في العلاقات الخليجية المصرية مؤخراً، ثم إعلان السعودية عن رؤيتها 2030 هي المجالات التي ستكون الأكثر تحدياً إعلامياً، سواء من قبل مواقع ووسائل إعلامية ناطقة بالعربية، أو أجنبية ممولة من جهات معادية، أو تتطابق أجندتها إلى حد كبير معها.
علينا أن نعود دائماً إلى تسجيل قديم مسرب بين معمر القذافي وبين مسؤول عربي. يمكننا دائماً أن نجعل ما جاء في هذا التسجيل وفي تسجيل آخر مشابه له كان القذافي أيضاً هو الطرف الآخر في المحادثة، أن نجعل منه الأصل وما عداه هو الفرع. هذه التهديدات والبرامج التي أفصح عنها ضمن ما يمكن تسميتها بالرؤية الشريرة (2008-2020) لاستهداف السعودية وأي دولة حليفة لها ستكون دائماً هي المتن وما عداها هو الهامش. التعاطي الإعلامي لهذه الجهات مع عودة جزيرتي تيران وصنافير إلى أمهما السعودية كان برهاناً ساطعاً لاستمرار هذه الأجندة. إنها باختصار تقول: لم يتغير شيء. ما توهمناه خلال أكثر من سنة ونصف منذ تولي الملك سلمان الحكم لم يكن من قبل هذه المنظمات والجهات إلا كموناً وترقباً وإعادة شحن الطاقات ومراجعة الخطط.
هل تعني معرفتنا بهذا الاستسلامَ ومجرد التفهم؟ بالتأكيد لا. بل يعني أن يكون صناع الاستراتيجيات الإعلامية، والمؤسسات الأمنية الذين تكشف لهم في السنوات الماضية، منذ ما قبل أحداث الاضطرابات العربية في ديسمبر 2010 إلى اليوم، حجم المؤامرات التي هدفت إلى إثارة الفتن والاضطرابات وإشعال نار الغضب والتمرد، أنها لا تزال باقية، وأن يكونوا على وعي تام بأن ما تغير لم يكن إلا القشرة، وأن الأعداء القابعين خلف الستار لا يزالون في الصدارة تنظيماً وتخطيطاً وتصيّداً للزلات.
بالمقارنة بما كان الحال عليه عام 2011 حتى اليوم، فإن الوعي المجتمعي قد تحسن كثيراً، والناشطين الوطنيين أصبحوا أكثر نضجاً وصلابة، ولكن، ثمة خطأ يقع فيه كثير ممن نشطوا في السنوات الماضية ضد التنظيم السري وحلفائه ومموليه من دول ومنظمات، وهو أنه لا يمكنهم استيعاب أن التهدئة السياسية والمصالح الدولية التي تحتم على دولهم الدخول في شراكات أو تحالفات لا يعني ذلك البتة أن يتراجعوا عن الثوابت التي لم تتغير. في مجتمعات كمجتمعاتنا يتعرض الناشطون للتشويش حين لا يمكنهم التفريق بين واجباتهم وثوابتهم نحو وطنهم ومجتمعهم في حمايته من الأفكار الشريرة، وبين متغيرات السياسات والتحالفات التي قد تنخرط فيها دولهم مع كيانات ذات علاقة وطيدة مع المنظمات الشريرة. وهذا نابع بالتأكيد من حداثة عهدهم بمستوى أفضل من سابقه من حرية التعبير.
إن النقاش الصحي والجدل الذي يعيشه السعوديون اليوم حول تفاصيل رؤية السعودية والتحول الوطني السنوات الخمس عشرة القادمة، هو علامة صحة وحيوية في مجتمع شاب ويافع، وبما أنه من المحتمل جداً أن تكون أي عقبات نابعة من تحديات متوقعة، وربما تأخر في مشاريع ذات مساس بالمواطنين هي المجالات التي ستنشط من خلالها الدعاية المضادة، فالوقاية منها تكون عبر جرعات من الشجاعة والحوار الصريح ترعاه القيادة السياسية للعبور بالمواطنين نحو بر الأمان، يكتسبون من خلالها حماية من الاختراق أو التلاعب بهم واستثمار إحباطهم لا سمح الله. ولكن المقلق أنه حتى في إتاحة سقف أعلى من النقاش، فإنه يمكن أن يكون في جوفه بذور من التشكيك والإحباط، ويبدو أنها سُنة الله في خلقه.