في القرن الثالث عشر دمر المغول قلعة «ألموت» التي كانت على مدى مئتي سنة مصدراً للإرهاب والاغتيالات التي استهدفت أمراء وسلاطين ووزراء وفقهاء مسلمين. ولأن الحشاشين من الشيعة الغالية/ النزارية وزعيمهم الروحي المؤسس الحسن الصباح قد جعلوا من استهداف السنة رسالتهم، فقد وجدوا في الصليبيين الغزاة وفي كل عدو للخلافة حليفاً لهم. اليوم تبدو «داعش» وغيرها من المنظمات الجهادية السلفية أكثر خطراً، وإن كان البعض يرى فيها موضة ستزول وستولد من ورائها نماذج أخرى ربما أكثر عنفاً، يجمعها مشترك واحد هو خزان من الفكر السلفي وتعاطف منبعه من السنة السلفيين.
يتوافق تصريح رئيسة وزراء الدانمارك الأسبوع الماضي بأن على الأئمة وعلماء المسلمين أن يبذلوا جهداً أكبر لجعل الإسلام أكثر تصالحاً مع الحداثة ومع الحضارة الأوروبية والثقافة الدانماركية، مع إشارة الرئيس الأميركي القاسية في لقائه مع مجلة «أتلانتيك» حول التأثير السيئ للإسلام العربي الذي انعكس تأثيره على إندونيسيا، مستذكراً أيام طفولته، حيث كان الإندونيسيون متسامحين ومعتدلين مقارنة بالحال الآن، بسبب تأثير الأئمة والدعاة الذين يأتون من الخليج، وذكر أوباما أنه في العقود الأخيرة تضاعفت أعداد المحجبات والمنقبات في إندونيسيا، واعتبر الرئيس الأميركي هذا المثال من إندونيسيا في حديثه مع رئيس الوزراء الأسترالي مؤشراً خطيراً لتمدد ثقافة التطرف وأنماط التدين التي هيأت لانتعاش الإرهاب في المنطقة العربية، ولكن الرئيس أوباما تجاوز هذه النقطة إلى مسألة أعمق وهي أن أزمة الإسلام هي أنه يحتاج إلى حركة إصلاحية داخلية تجعله منسجماً مع الحداثة.
وفي الأسبوع الأخير تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي مقطعاً لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير أجاب فيه على سؤال لصحفي بريطاني عن حقيقة كون داعش «دولة إسلامية» تطبق الشريعة كما جاء في القرآن والسنة! مشيراً إلى أن أتباعها الذين يتزايدون من الشباب المسلمين هو مؤشر يؤكد أنها هي النموذج المثالي للدولة الإسلامية! وكانت إجابة وزير الخارجية السعودي دبلوماسية متوقعة، لا تختلف عن الإجابات المعتادة التي تلخصت بأنه في كل دين متطرفون وأن الإسلام لا يمكنه أن يقر النموذج الذي تقدمه «داعش».
ومع أن ما ذكره الجبير يشعر العربي المسلم بالارتياح والرضى، إلا أنه بعيد عن الواقع عما يعتمل على الأرض، وعما نقرؤه ونشاهده يومياً في مجتمعات المسلمين، وما نجد تأثيره على وسائل التواصل الاجتماعي وفي القنوات الفضائية، فالفكر المتطرف الجهادي سلفي، منبعه من المسلمين ويتغذى من أفكار وتعاليم نافذة وحية ومحمية، وتتمدد منذ عقود في أصقاع العالم، وفي المنطقة العربية على وجه الخصوص.
نصف الإجابة المتبقي الذي يلخص الواجب العملي على المسلمين أنفسهم، من فقهاء وأئمة ومفكرين، هو الغائب المخفي في معظم إجابات السياسيين العرب، ألا وهو بما أنه فكر أقلية فإن الواجب هو تحدي مصدر وخزان هذه الأفكار من دون مجاملة، وحصار هذا البلاء وخنقه ومواجهته بكل شجاعة. لأن ثمن المجاملة باهظ جداً، ونحن نرى كل يوم نتائج هذا التردد. إن الحِلْم والتغاضي عن إثارة السؤال عن منبع هذا الفكر الخبيث المتسرطن يفوق بمئات المرات نتائج الصمت عن إرهاب «حزب الله» لسنوات طويلة حتى أصبحت لبنان رهينة بيده، وعن التغاضي عن المخلوع علي عبدالله صالح لعقود، وأخطر بكثير عن مجاملة العرب لصدام حتى باغتنا باحتلال الكويت. إن العمل على رفع الوعي وإيجاد نموذج المسلم المعتدل، غير كافٍ ما لم يكن مشفوعاً بصِدام ومواجهة ووضع الإصبع على أدمغة فقهاء الشر ودعاة الظلام.
علينا الآن أن نتساءل: لماذا كان كثير من علماء السنة الأشاعرة ومتكلميهم، بمن فيهم الأزهر إلى عقود قريبة، يرون في المذهب الشيعي التقليدي أكثر اعتدالاً من غالية السلفيين.