عدم قدرة التيار الديني الثوري في إيران على الخروج من نفسية رفض قيام الدولة قبل ظهور المهدي، هو أحد أهم خلفيات الازدواجية في النظام الإيراني، وهو ما يصفه رئيس وحدة الدراسات الإيرانية بمركز الإمارات للسياسات حسن العُمري بأنه أسس لازدواجية الثورة دستورياً، ما أنتج حالة تواز بين مؤسسات الثورة ومؤسسات الدولة. في الطاولة المستديرة التي عقدها المركز أمس الأحد، سيلاحظ المتابع بأن المحاضرين في الطاولة المستديرة هم خليجيون وعرب، وهذا كان مهماً لأن الخليج هو المستهدف الرئيس من التمدد الإيراني، والقلق والتخوف من آثاره المدمرة لأمن الخليج لا يشعر به إلا أبناؤه.
يدعو رشيد يلوح الباحث في مركز الإمارات للسياسات إلى التفريق بين التحالف القائم بين المرشد والحرس الثوري، وبين المرشد نفسه، وبين الحرس الثوري، حيث لكل منهما مؤسساته ومناطق نفوذه. من بين 17 عاملاً فارقاً منذ قيام الثورة الإيرانية، فإن خيانة الثورة ومنح الولي الفقيه كل الصلاحيات، ورسم وتحديد السياسات الداخلية والخارجية هي أكثر العوامل الفارقة تأثيراً، والعُمري يؤكد في ورقته أن «بيت القيادة» وهو التحالف الحاكم بقيادة خامنئي عمد خلال سبعة وثلاثين عاماً إلى بناء طبقة برجوازية من الحرس الثوري، بديلاً لطبقة البازار التقليدي، ومنافساً من جهة أخرى لطبقة البورجوازية الثورية من طيف رفسنجاني.
شار جاسم الخلوفي إلى أن خمسة قرون تصرمت منذ قيام حكم الصفويين، تؤكد أن سياسة إيران قائمة على التوسع والتمدد. ويقول العُمري بأن ما يردده باحثون وكتاب بأنه القومية الفارسية هي المحرك للأطماع الإيرانية ولعدوانية النظام في الداخل ضد الأقليات، لا صحة له، لأن القومية الإيرانية مؤسسة على الثقافة واللغة، وهي تشمل الإيرانيين من أصول تركية والأكراد والآذريين وغيرهم. ويقول العُمري بأن طهران منذ الثورة تمثل في نظر «بيت القيادة»، أي التحالف الحاكم رمزاً للاستكبار، بينما الأطراف تمثل المستضعفين، وهي رؤية لا تزال حاضرة عند خامنئي والحرس الثوري.
وفي إشارة مهمة، ذكر أيضاً حسن العُمري الذي قضى سنوات تسعاً عاشها في إيران في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، أن إحدى أكبر الأزمات التي واجهها النظام الإيراني تورطه في عداء الولايات المتحدة الأميركية، والاعتداء على السفارة الأميركية في طهران، فالاعتداء انطلقت شرارته على أيدي الثوار ذوي الميول اليسارية المعادية لأميركا، ولكن المنافسة دفعت الأصوليين من الثوار إلى هجوم أشرس، ولكن عدم تعرض سفارة الاتحاد السوفييتي لهجوم مماثل من قبل الثوار الذين طرحوا تساؤلاً بأن الأميركان أهل كتاب، بينما السوفييت ملاحدة وسفارتهم أولى بالهجوم، دفع النظام إلى كبح جماحهم. ويقول العُمري إن الخليج لو كان مخيراً بين الأصوليين الإيرانيين وبين القوميين، فإن القوميين هم الخيار الأقل ضرراً، لأنهم أقدر على فهم منطق الدولة الحديثة.
وعلى خلاف العادة، فمديرة الجلسات رئيسة مركز الإمارات للسياسات الدكتورة ابتسام الكتبي، رغم تلويحها للمعلقين بالاختصار، مشفوعة برسائل التهديد، إلا أنها بدت -في الجلسة الأولى على الأقل- أكثر تسامحاً مع إسهاب المعلقين والمتدخلين واسترسال بعضهم، خلافاً لتقليد اعتدناه منها في مناسبات سابقة. مع دخول مركز الإمارات للسياسات السنة الثالثة منذ تأسيسه، فإن بصمته التي تميزه عن غيره من مراكز التفكير في المنطقة، هي أن سيدة إماراتية ترأسه، وهي أحياناً من يدير الجلسات وينظم المداخلات ويحدد الوقت لكل معلق، وفي جلسة نقاش يكون المتحدثون فيها والغالبية الساحقة من حضورها من الرجال، وهذا أحد أكثر الأشياء فرادة وجمالاً على ضفاف الخليج العربي.