كانت السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة سباقتين إلى الاعتراف بثورة يونيو 2013 التي أسقطت حكم «الإخوان المسلمين» في مصر. في عام 2014 أعلنت المملكة «الإخوان المسلمين» ضمن قائمة المنظمات الإرهابية. النظام التركي الحاكم ذو صلة وثيقة بـ«الإخوان المسلمين»، كما أن تنظيم «الإخوان المسلمين» المعادي للحكم المصري الجديد يتخذ من تركيا مركزاً لنشاطه، ويتواجد تنظيم «الإخوان» على الأراضي التركية، موجهين دعايتهم ضد حكم السيسي عبر صحف وقنوات تلفزيونية ومراكز دراسات أنشئت لهذا الغرض. وفي فبراير 2015 قال وزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل في لقاء مع إعلاميين سعوديين: إن السعودية لديها مشكلة فقط مع «الإخوان المسلمين» الذين بايعوا المرشد. بعد تولي الملك سلمان الحكم، بشر معلقون وكتاب سعوديون وعرب بعهد جديد بمملكة سعودية رابعة تنهي حالة العداء مع «الإخوان المسلمين»، وتفتح صفحة جديدة مع «الإخوان» خلافاً لما كان عليه الحال فترة حكم الملك الراحل المرحوم عبدالله بن عبدالعزيز.
يوافق نشر هذا المقال مرور عام كامل من حكم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وكما يبدو فإن العهد الجديد سار على خطى سابقه، فالمملكة منذ إعلانها تنظيم «الإخوان» إرهابياً لم تتخذ أي إجراءات ضد سعوديين محسوبين على «الإخوان»، لسببين: أولهما أن «الإخوان» السعوديين المنظمين لا يعلنون حقيقة انتمائهم ولا بيعتهم للمرشد، ولهذا فنحن أمام فكر «إخواني» بلا تنظيم معلن، وإن كان يمارس منذ خمسة عقود أنشطته في السعودية عبر مستوى خفي من التنظيم.
في لقاء لي مع مسؤول أمني سعودي كبير في عام 2015 أخذ ساعة من الوقت وهو يشرح وجهة نظره التي ملخصها: «نحن دولة الإسلام، نجمع ولا نفرق، ولن نقسم المجتمع»، وفي إشارة ذات دلالة تختزل رؤية السعوديين تجاه «الإخوان». قال مفكر سعودي خبير بالجماعات بعد وصول مرسي إلى الحكم «السعودية كانت على الدوام قادرة على التعاطي مع الإخوان المسلمين، ولكنها لن تستطيع التفاهم مع اليساريين ولا مع القوميين». ولكن السعوديين أبقوا حتى اللحظة هذه على قائمة المنظمات الإرهابية بمن فيها «الإخوان» من دون مساس بها أو تغيير. هذا يعني أن أي حراك مريب يقدم عليه «إخوان» سعوديون داخلياً سيجعلهم عرضة للعواقب الوخيمة. مع إمكان استخدامهم لخدمة أجندتها الخارجية، هكذا تدير السعودية هذه المسألة الشائكة.
بعد الزيارة الثانية للرئيس التركي إلى المملكة منتصف 2015 ذكر أن السعوديين عرضوا الوساطة بينه وبين المصريين، ولكنهم لم يلحوا. من المؤكد أن السعودية لن تفرط في مصر، ولكنها ستمضي قدماً في تحالفها الاستراتيجي مع تركيا، الذي أوضحت التطورات الأخيرة أنه سيدشن على الأرض بحرب برية على الأرض السورية تشارك فيها السعودية وتركيا ودول إسلامية أخرى، وفي خضم كل هذا فإنه من المتوقع أن أي توترات تركية إيرانية في المدى القريب ستصب في مكاسب السعودية. ومع قدرة السعودية على كسب أردوغان، فإن «الإخوان المسلمين» سيكونون كما هم دائماً إحدى أدوات هذا التحالف، سيبقى «الإخوان» لاعبين صغاراً تابعين لتحقيق مصالح هذين العملاقين، وحينها ربما يمكننا أن نتوقع تقارباً مصرياً تركياً، سيحسمه إلى حد كبير مآل المسألة السورية في الشهور الستة القادمة. ولكن كل المؤشرات تدل على أن قدرة الأتراك والمصريين والسعوديين على فرز الملفات الشائكة بما فيها مسألة «الإخوان المسلمين»، هي رهن بالتهديدات الحقيقية والمصالح الاستراتيجية لكل بلد على حدة.