أحسن الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية في لفت الانتباه إلى ما تواجهه المملكة العربية السعودية من حملة غير مسبوقة في وسائل الإعلام الغربية. فغالبية ما ينشر الآن يتجاهل التمدد الإيراني والدور السلبي له على شيعة المنطقة، وعلى الجوار العربي. صحيح أن تأكيد قرقاش أن على العرب والإماراتيين في المقام الأول أن يكونوا حائط صد ضد هذا السيل من الحملات الإعلامية. ولكن ما الواجب عمله بالتفصيل؟ وكيف يمكننا أن نكون حائط صد؟ كيف يمكننا أن نساعد المملكة؟ من المؤكد أن الحديث إلى الذات ليس مجدياً بل هو دلالة على الضعف، وأحياناً هو تجل للقلق والحيرة. أحياناً يكشف التاريخ حقائق ووقائع لم تكن قبل سنوات أو عقود معروفة أو معلنة، فمعرفتنا اللحظة هذه بتفاصيل الجرائم والانتهاكات للحشد الشعبي الشيعي في العراق، ولجرائم «حزب الله» في سوريا ولبنان، لن تكون بحجم ما سيكشفه العالم بعد سنوات من الآن. ولكن تعويلنا على التاريخ بأن تكون الصورة أكثر عدلاً والمواقف أكثر توازنا هو ترف لا تحتمله لحظتنا الراهنة. هذا ما يمكن الآن قوله فيما يخص بواعث الحملات الإعلامية ضد السعودية. تتنوع مواضيع ودوافع الحملات الغربية الإعلامية على السعودية، ولكن يبدو لي أن في مقدمتها حرب اليمن، والسعي إلى نزع الشرعية والغطاء الأخلاقي والإنساني عن عاصفة الحزم التي هدفت إلى تحجيم الحوثيين، وإعادة الحكومة الشرعية. ونلحظ في الآونة الأخيرة التهم التي بدأت بالتنامي في وسائل الإعلام الغربية، مدعومة بتقارير منظمات حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية على وجه الخصوص في الآونة الأخيرة بأن ثمة جرائم حرب تقع في اليمن، وأن القنابل العنقودية المحرمة تستهدف المدنيين. قبل ما يزيد على سبعة شهور كان الحديث يدور عن مسؤولية أكبر للحوثيين فيما وصف بالانتهاكات، وفي الشهور الثلاثة الأخيرة تحولت النغمة إلى مسؤولية مشتركة لـ«الحوثيين» والتحالف في هذه الانتهاكات، في الأيام الأخيرة أصبحنا نسمع أن التحالف وليس غيره هو المسؤول عن هذه الانتهاكات، في ظل نفي المتحدث الرسمي للتحالف لوقوع أي تجاوزات أو انتهاكات تطال المدنيين، مع تجاهل واضح للصواريخ «الحوثية» التي استهدفت المدن الحدودية السعودية والتجمعات السكنية والمستشفيات.
إن تصريح الأمين العام للأمم المتحدة قبل أكثر من أسبوع بأن ما يجري في اليمن قد يمكن اعتباره جرائم حرب، هو أمر يجب أن يكون مقلقا ليس للسعوديين فحسب، بل لقوات التحالف جميعها. هنا يمكننا التنبه إلى أن غالبية منظمات حقوق الإنسان تسعى إلى أن تنسج يوما بعد يوم عبر تقاريرها شعوراً عاماً، وتبني قناعة بنزع شرعية ما يقوم به التحالف في اليمن، أي إن المبرر الأخلاقي والإنساني الذي كان زخمه واضحاً في بدايات «عاصفة الحزم» تسعى منظمات ووسائل إعلام ومتعاطفون ولوبيات معادية للسعودية وللتحالف إلى نزعه وإظهار ما يجري على أنه اعتداء صارخ، المسؤول عنه ومن يجب أن يحاسب جراءه هو التحالف بقيادة السعودية. الهدف النهائي لما يجري هو أن يظهر التحالف بصورة المعتدي، وهنا فإن الحملة ليست مقصورة على السعودية بل على الإمارات والدول العربية المشاركة. ويبدو لي أن هذا السعي المحموم لتشكيل رأي عالمي بنزع المبررات الأخلاقية والقانونية لعاصفة الحزم سيكون أكثر تسارعاً وأكثر كثافة وإثارة للقلق في الفترة القريبة.
هنا يمكن للإمارات ولأصدقاء السعودية أن يكشفوا للعالم بشكل أكثر تفصيلاً جرائم «الحوثيين»، وأن يتعلم السعوديون إعلاماً وصحافة أيضاً من الإماراتيين-وهذا ليس عيباً- صناعة الصورة الإنسانية والوجه الرحيم لإعادة الأمل، وتكثيف الأعمال الإنسانية للشعب اليمني، والتركيز أكثر إعلامياً على معاناة السعوديين المدنيين الذين تستهدفهم صواريخ التمرد في المناطق الحدودية