ألقيت في الجامعة الصيفية في إستنبول
20 يوليو2015
منصور النقيدان
- سعادة السيد مُفلوت جافوش أغلو – وزير الخارجية بدولة تركيا
- سعادة السيد قدير توب باش – عمدة استنبول
- السيد / أب رادخان – المستشار الخاص لمدير عام اليونسكو – السيدة أرينا بوكوفا- والمدير التنفيذي لمشروع علاء الدين
- سعادة السفير جورخان ترك أوغلو – رئيس مجلس لجنة التراث العالمي
- البروفسور سيناي يالجين – مدير جامعة باه جاه سايش
- البروفسيور مناحم بن ساسون – مدير الجامعه العبريه
- البروفسور أحمد دياز – مدير جامعة صلاح الدين بأربيل
- البروفيسورات ممثلي الجامعات والسادة ممثلي الجهات المشاركة الموقرون
- الحضور الكريم من السيدات والسادة
- الصبايا و الشباب قادة التنوع الثقافي ، أملنا
أهنيكم – كما أهنيئ نفسي – لكوننا جزءا من هذا الجمع المبارك، في تركيا، هذا البلد الذي عودنا على أن يتسع قلبه لجميع بني البشر من الثقافات والأديان و الألوان المختلفة.
كما أنتهز هذه الفرصة لأشكر برنامج علاء الدين ومديره العام السيد/ إيب رادكن على منح مركز المسبار للدراسات والبحوث فرصة المشاركة في هذا التجمع الرائع الباعث على الأمل في خضم ما تمر به البشرية عموما ومنطقتنا في الشرق الأوسط خصوصا من معاناة الحروب وآلام العنف والتهجير والفقد.
مع التزايد المستمر للعولمة الاقتصادية والاجتماعية، فانه من المرجح – ان لم يكن حتميا – أن يلتقي المرء حتى داخل بلده، أو أثناء سفره للدراسة أو العمل، أشخاصا من خلفيات ثقافية وعرقية مختلفة، يتفاعل أو يعمل معهم، ولهذا فإن بناء مهارة التواصل مع الثقافات الأخرى باتت إحدى المطالب الرئيسية حتى في عالم المال والأعمال.
ولكن، مع انفجار الصراعات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، والتي يمتد تأثيرها للجيران في قارة أوروبا وحتى الى العالم أجمع، فانه يسهل تفسيرها على أنها نتاج لصدام الحضارات الحتمي، لكن اسمحوا لي أن أقول لكم، أن هذا تفسير غير واقعي للأمور.
إننا اليوم نمر بمرحلة حرجة للغاية نشهد فيها ظهور ميلشيات مسلحة تهدف الى استخدام الأديان لصبغ الصراعات الجيوسياسية بمبررات دينية وثقافية وللتغطية على أطماعها التوسعية وتبريرجرائم الحرب التي تقوم بها. إن مبدأ سحق الاخر، وهدر الكرامة الانسانية وبيع النساء والأطفال في سوق النخاسة، كما يحدث في سوريا والعراق ودول أخرى، و محاولة استقطاب الشابات والشباب لخدمة هذه الأجندة الهمجية والرجعية باستخدام دعاية الكراهية والعنف، ومحاولة تسويغها بنصوص دينية وبثها عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ هو نذير شر للبشرية أجمع، وإننا جميعا مسؤولون لوقف هذه الهمجية والرجعية وهزم أجندتها اللا إنسانية. إن مهمتنا تدعيم عالم الحب والتسامح والانسانية التي نستحقها جميعا الآن، كما تستحقها الأجيال القادمة.
ولذلك، قمنا في مركز المسبار للدراسات والأبحاث بدراسة التحديات المعاصرة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، آخذين في عين الاعتبار المنظور السيسيوثيولوجي ” sociotheological” ، وشجعنا شبكة باحثينا من متخصصي العلوم الاجتماعية والسياسية وعلماء الدين وعلماء الدراسات الدينية وغيرها من التخصصات ذات الصلة، لتقديم تفسيرات للظواهر الاجتماعية المختلفة، والشائكة منها على وجه الخصوص، من منظور السياق الاجتماعي والسياسي، مع مراعاة عدم تجاهل سياق الأفكار الروحية و الفكر الديني. وصلنا إلى هذه المرحلة بعد إصدارنا أكثر من الف و خمسين دراسة على مدار تسع سنوات مضت، متناولة العنف المؤدلج في المنطقة، والحركات الاسلامية السلمية والعنيفة، والإثنيات العرقية والدينية، وأوضاع المرأة ما قبل وبعد ثورات الربيع العربي.
إنني استطيع أن الخص لكم ان واحداً من اهم العوامل المساهمة في الأزمات الجنونية التي تحرق منطقتنا وإرثنا الحضاري وهو “مبدأ عدم التسامح مع الآخر”، متمثلا في عدم الاحتفاء بالآخر – على أحسن تقدير – و رفض الثراء الإثني والثقافي الذي تميزت بها منطقتنا على دوام التاريخ. إضافة الى ضعف سياسة تمكين المرأه لتأخذ دورها المهم في المجتمعات – على أحسن حال – الى سحق كرامتها الانسانية و بيعها في سوق النخاسة كما يحدث الآن في بؤر محددة في المنطقة في القرن الواحد عشرين؟
إن العالم المؤمن بحوار الحضارات والتعايش السلمي بحاجة لأشخاص مثلكم، قادة في التفاعل الثقافي ممن يملكون المهارات المطلوبة، وعم قادرون وجاهزون ومستعدون لدعم التفاهم الثقافي في مجتمعاتهم.
أنتم اليوم هنا لأنكم قادة تملكون الثقة والاندفاع والشغف والتفاؤل. هذه سمات أساسية لكل من عليه مواجهة تحديات العنصرية والإقصاء والتنميط. إن تغيير العالم يحتاج إلى تحمّل وحزم وتعاطف وإصرار. الناس ليسوا سيئين بطبعهم، ولكن أحيانا سوء فهمهم لبعض يمكن أن يدفعهم نحو قرارات سيئة . نحتاج أن نغير الطريقة التي يفهم فيها الناس بعضهم البعض .
من رحم الأحداث المأساوية الحالية نتطلع أن يرتقي منكم قادة المستقبل من رواد ثقافة التسامح، لتعملو أفرادا و جماعات من أجل التعبير عن حرية الإنسان، كل الانسان، من أي ثقافة، وأي جنس، أي جنسية وأي لون. ونأمل أن تحدثوا التغيير الإيجابي المطلوب.
ان قيام مشروع علاء الدين بالتعاون مع اليونسكو و برنامج Erasmus و جامعة باه جاه سايش بعقد مشروع الجامعه الصيفيه 2015 بعنوان “The Power of Images: Truth, Manipulation and Intolerance” مما يضمه من لقاءات محورية يختلط فيها الشباب و الشابات من الخلفيات الثقافية المتعددة هي ليست فقط فرصة ثمينة لسماع وتبادل قصص فريدة عن الثقافات المختلفة ممن عايشها بنفسه، وإنما أيضا فرصة نادرة لبناء مهارة التفاعل بشكل فعال عبر الثقافات والعمل مع أشخاص من خلفيات ثقافية مختلفة.
إنكم ستغادرون وقد جمعتم الكثير من التجارب وفحصتم الكثير من مسلماتكم وتعرفتم عن كثب على ثقافات متعددة. إن هذا بحد ذاته أساسي لتطوير قيادتكم في التفاعل الثقافي. إنه سيعزز قدرتكم على فهم التعقيد والتنوع الموجود في الساحة الثقافية. إنكم سترجعون إلى أوطانكم ومدنكم ومجتمعاتكم وقد اكتسبتم الكثير من المهارات الجديدة وستكونون أقدر على التفاعل مع أشخاص من مجتمعات مختلفة. ولكن أهم شيء سترجعون به هي الذكريات والتجارب والعلاقات مع أشخاص رائعين من حول العالم.
إن عملكم سيحتم عليكم توسيع شبكاتكم مع النشطاء والمفكرين والصحفيين وقيادات الشركات، والسياسيين، والممولين وغيرهم من الشخصيات التي لا بد من العمل معها من أجل ثقافة التسامح والتبادل الثقافي. وجودكم هنا يسمح لكم بتوسيع شبكتم والتعلّم من تجارب أقرانكم كما يعطيكم فرصة لإشراك نظرائكم في تجاربكم.
إن قادة التفاعل الثقافي يعيشون تحديات كبيرة. إنكم تحاولون كسر قوالب وُجدت منذ زمن طويل. وهذا ليس سهلا. هناك الكثير ممن سيسخط عليكم. خصوصا اولئك المستفيدون من التعصب والتطرف والإقصاء والكراهية، وما أكثرهم!
وندعم – نحن – مركز المسبار للدراسات والبحوث بدورنا الشباب والشابات – قادة ثقافة التسامح – المشاركين في هذه الجامعه الصيفية المتميزة، عبر إتاحة الدراسات السوسيوثولوجية المطلوبة لكم، كما سيسعد مركز المسبار للدراسات والبحوث بانضمام قادة التسامح بين الثقافات ليصبحوا من ضمن الباحثين المتعاونين في مشروعاتنا المستقبلية.
وفي الختام، لا يسعني إلا أن أتمنى لكم الكثير من التوفيق في حمل و تمرير مشاعل النور والسير باتجاه السلام وقبول الآخر، ورغم أنها مهمة غير سهلة إلا أنها غير مستحيلة، انتم أملنا في أن يكن هنا و هناك نور. وشكرا لكم .
الكلمة بالإنجليزية على هذا الرابط: