منصور النقيدان
بموت مفتي السعودية عبدالعزيز بن عبدالله ال الشيخ سيسدل الستار على آخر الوهابيين الكبار. الشيخ المصلح الكبير محمد بن عبدالوهاب الذي كان له تأثير هائل على العالم الإسلامي منذ القرن الثامن عشر هو الجد الخامس للمفتي الراحل.
وقد حاول المفتي في سنواته الخمس والعشرين الماضية التي كان فيها مفتياً أن يتواءم مع التحولات والتحديات التي واجهتها المملكة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، واجه ضغوطاً كبيرة أحياناً من زملائه والمخلصين للتعاليم الوهابية، وتقلب مرغماً بين وفائه لتعاليم أسلافه الوهابيين وبين متطلبات الحداثة وتجنب إحراج الدولة، وصاحبه القلق المزمن لتفادي الاصطدام بزملائه من الحرس المتجهم المنافح لتعاليم الوهابيين. كان الوقت في نظره لايزال مبكراً.
قبل زيارة الرئيس الأمريكي ترمب في رئاسته الأولى للملكة العربية السعودية في يوليو 2017، تلقت وسائل الإعلام السعودية، والمؤسسات الدينية والثقافية، توجيها سامياً شفهياً غير مكتوب يؤكد أن السعودية الجديدة التي يقودها الملك سلمان بن عبدالعزيز قد انسلخت من تعاليم الشيخ محمد بن عبدالوهاب التي قامت عليها البلاد منذ الانبعاث الأول لها في القرن الثامن عشر. كان التوجيه الملكي يؤكد أن السعودية تنتمي إلى الفضاء الإسلامي الأوسع ومذهب البلاد هو المذهب السني الذي يعتنقه غالبية المسلمين في العالم، نحن لسنا وهابيين. لم تكن السعودية محظوظة بأن تتكيف المؤسسة الدينية مع هذه الرؤية الجديدة، فقد كان المفتي وزملاؤه من هيئة كبار العلماء حذرين بطيئين، بالأحرى كانوا غير جاهزين. ولم يكن الجيل الشاب من الفقهاء السعوديين الذين حُقنت بهم المؤسسة الدينية يملكون الجرأة على هذه الخطوة التي بدت كزلزال داخل نادي حراس التعاليم القديمة.
عملت الرؤية التي قادها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة لاحقاً على دعم هذه الخطوة الجريئة بالإعلان عن إعادة سردية نشوء الدولة في القرن الثامن عشر، التي هدفت إلى أن آل سعود كانوا حكاماً وأمراء ممكنين في ممالكهم، قبل تحالفهم مع الشيخ محمد بن عبدالوهاب، الذي لجأ إليهم فراراً من القتل طالباً الأمان.
في أواخر عام 2017 في لقاء لي مع رئيس أمن الدولة السعودي ذكر لي أن المفتي له فتوى جريئة، تؤكد بأنه لايحق لأي مسلم أن يدافع عن الإسلام ولا عن القرآن ولا عن النبي محمد، لأن الله هو الذي يتولى ذلك مستشهداً بآية من القرآن: ” إن الله يدافع عن الذين آمنوا”. وتنص هذه الآية بأنه لا يحق لمسلم أن ينوب عن الله في هذه المهمة. وُلدت هذه الفتوى على استحياء في جريدة سعودية، في زاوية مغمورة بين صفحاتها، وكانت جديرة بالاهتمام والنشر والنقاش، لكنها ماتت في مهدها.
وبعد الإعلان عن تعيين مفت جديد للبلاد هو صالح بن حميد الذي تولى مناصب رفيعة في الحكومة رئيساً لمجلس الشورى، ثم رئيساً للقضاء، وهو إمام وخطيب في المسجد الحرام يواجه منصب المفتي مرحلة جديدة من التحديات في لحظة صعبة يتضعضع فيها دور المؤسسة الدينية وفقهائها في الحياة العامة، إلا أنها كانت وستبقى حليفاً للحكم وللملوك مادام حكم آل سعود.
بعد رحيل واحد من أكثر فقهاء نجد مهابة وتأثيراً، وهو عبدالله بن عبداللطيف 1921/ 1340 هج، جد المفتي الراحل، وقف الملك عبدالعزيز سلطان نجد وقتها، أمام مشايخ نجد، وقال لهم:” أنتم فوق رأسي، تمسكوا بي، لأني إذا هززت رأسي وسقط منكم واحد فلن أرفعه”.
23 سبتمبر 2025
