الذين يخافون على ايمانهم من الكلام .. قوم لا يثقون بإيمانهم. – عبد الله القصيمي
هذا صحيح إلى حد كبير، وإن كان الإيمان هو تأويله، فالاعتقاد البشري والفهم بشري والامتثال للعقائد والتعاليم الكبرى هو جهد ذهني وقلبي ونفسي أي بشري، وشرح الإيمان هو عملية ينهض بها البشر أنبياء وحواريون ومصلحون وأتباع. وهنا ينشأ الخلاف والخصام والعداوات وارتطام الأهواء وصراع مصالح القوة والسلطة المغلفة بالتقوى. ” إن الله يدافع عن الذين آمنوا”، وليس هم من يدافع عن الله. لهذا أعجبتني فتوى لمن ذكر أن المسلم ليس مطالباً أبداً بالثأر لله والانتقام له أو الدفاع عنه. “ليس لك من الأمر شيء” يجسد هذا الإيمان العميق الذي لايتزحزح خبيب بن عدي قبل قتله وصلبه بيد قريش الكافرة بعد وقوعه في الأسر والغدر به، ولكن إيمان عمر ابن الخطاب أرسخ وأقوى وأعلى مرتبة رغم أسئلته وارتيابه و”شكوكه” التي يفصح عنها للرسول واصحابه.وكانت عذاباته وأسئلته التي لاتتوقف تورثه حرقة وألماً هي تطهيره وصقله ولهذا كان يسأل نفسه إن كان من المنافقين، لأنه كان على الدوام في سفر لايتوقف ورحلة في أعماق كونه الخاص، مصطلياً في أتون الأسئلة الكبرى في داخله يخوض صراعاً مع ذاته حتى يبلغ مرحلة التسليم، وهذا سر عبقريته واختلافه وجمال عقله وسيرته ومواقفه. وزوجة فرعون، ومؤمن آل فرعون، والمسلمون الأوائل في مكة قبل الهجرة هم مثال للإيمان العميق القائم على التسليم المطلق إلا ماندر منهم. و الإيمان والتسليم هنا هو الاعتقاد وهو أعم وأشمل من الشرائع وتفاصيل التكليفات. هذا في الجملة، ولكن الإيمان فعلاً قد يتزحزح وقد يؤثر فيه الكلام والتشكيك، وتجربة البشرية منذ آلاف السنين شاهدة ومتخمة بالوقائع التي تؤكد هذا، أي الخوف على الإيمان من السؤال والتشكيك، وتاريخ الإيمان وعذابات الحائرين الذين أعلنوا عن مايضطرم في قلوبهم في اليهودية والنصرانية والإسلام لايمكن طمسه ولا إنكاره. ولكن هل حمايته هو بقتل أو مطاردة أو سجن أو تعذيب من يثير الأسئلة حول أكثر القضايا تسليماً في مجتمع مسلم؟ يبدو أن ذلك مربوط بالسلطة والقوة والنفوذ والمصالح ومايراه البشر سلماً اجتماعياً يجب المحافظة على ثوابته. فالإيمان هو تأويله. ولو أنا فتحنا الأبواب واعتبرناها رحلة روحية غير ناجزة وغير نهائية، آخر فصولها حين نغمض أعيننا وبإسدال الستار عن دنيانا نحو أخرى وآخرة غامضة معتمة نحو دار الخلود، لكنا ارتحنا وأرحنا. وعلى هذا فإن مبعث آلام البشر من كل ديانة وملة ونحلة هو أنهم أخذوا الإيمان على مأخذ الجد، فعذابهم من الإيمان والتسليم المطلق.