أرجو أن يكون هناك من يرصد المزاج الإسلامي هذه اللحظة تجاه إيران، والتشيع السياسي والديني تمدداً وانحساراً.
يبدو أنها لحظة أكثر خطورة من حالة المزاج السني بعد استرجاع جنوب لبنان عام 2000.
في صيف عام 2006، كان بعض أصدقائي يواجهون بامتعاض وغضب وممانعة، حتى من بعض أهالينا وأصدقائنا في بريدة والرياض، قلب السلفية الحنبلية.
لا يسمح لك بانتقاد حزب الله!
بلغ نصر الله وحزب الله مستوى لم يسبق له مثيل من الشعبية، والتأثير، والإلهام للمثقفين والمفكرين، إلا ما ندر.
حتى لو هُزمت إيران اليوم في حربها مع إسرائيل، فيبدو أننا على مشارف حقبة صعود شيعي ثانية.
يسهل تصور أننا قد نشهد انكفاءة تشابه إلى حد كبير الانكسار الأكبر للإسماعيلية بعد الغزو المغولي، وسقوط حكمهم الفاطمي قبل ذلك بعقود على يد صلاح الدين.
ولكن الفارق أن التشيع الإيراني ضارب الجذور في المجتمعات الإسلامية والعربية، وبشكل عام فقد بقي متغلغلاً، صامداً، حتى بعد تساقط الممالك الشيعية التي قامت عبر تاريخ الإسلام.
حتى انبعث مع الصفويين في القرن السادس عشر.
ربما أن التشيع الإيراني سيتشظى من دون رأس، وكون إيران هي الرأس معناه أنها الضامن والمتحكم بأتباعها.
بانفراط العقد، ستواجه المجتمعات الإسلامية والشيعية أزمة كبيرة.
العقلانية والواقعية الشيعية تكمن في إيران،
أما في العراق، وفي الأطراف، في باكستان، والهند، ودول عربية مجاورة، فهي لا تمتلك هذا.
من المهم، في هذه اللحظة، إعادة التذكير بكل جرائم إيران في المجتمعات الإسلامية السنية وغيرها.
سوريا وحدها، وما عاناه السنة وتعرضوا له، يشيب له الولدان.
العراق، وما جرى فيه بعد 2003، بتواطؤ أمريكي ودعم، هو صفحة مؤلمة لا تُنسى.
يجب إعادة البث والتركيز على الوثائقيات المتعلقة بهذا الملف الإجرامي، لإبقاء الوعي والذاكرة حية، بمعزل عن الحرب القائمة.
نحن متخمون، فيما يخص إسرائيل، من جرائم ضد الإنسانية.
متخمون حقاً، ونرى يومياً ما يحدث للأبرياء.
ويغيب عنا أن ما يجري في غزة هو أكبر من أثر الفراشة في تنامي هذا الميل نحو النظام الإيراني.
ومع التطورات الأخيرة، نحن بلا امتراء في مواجهة طوفان الإغواء الأكبر.
وأميل إلى أنها، في المجتمعات السنية، ستكون موجة جديدة متحورة.
سلالة فضفاضة، ناعمة وبراقة، أكثر اتساعاً.
ستعاني منها الممالك والمجتمعات السنية أصالة في السنوات المقبلة.
سنشهد إعادة تعريف للسنة، ودمجاً لأكثر العقائد نفياً داخل العقل السني/السلفي المتراجع، وتبشيراً له ضمن الدائرة الأوسع.
الألق سر الإغواء.
ولكن، في المقابل، سنشهد الأمر نفسه استجابة مقاربة في الضفة الشيعية.
أي نمط جديد يولد في هذه اللحظة، ويتغذى من الأحقاد والإذلال، في استعادةٍ للتاريخ القديم وثاراته.
لا يوجد أي أعمال سينمائية، ولا مسلسلات، تستحق المتابعة عما فعله النظام الإيراني بالمجتمعات العربية التي عاث فيها فساداً، وهذا تقصير لا مبرر له.
هذا التذكير المستدام، يسهم في الوقاية والحماية، وإن لم يكن كافياً.
تأملوا ما يجري داخل غزة، داخل فلسطين، على ألسنة البائسين، الضعاف، البسطاء.
وخلافاً لما يتوقعه البعض، إن اندحرت إيران، فإن الإغواء الشيعي الإيراني صاعد وفاقع في المجتمعات السنية.
فما خسره في السنتين الماضيتين من أذرع، قد يستعيده دينياً في غضون شهور، وتلك هي التربة الخصبة لنشوء قرونه، ونمو زرعه بعد جزّه، واختراقه للمجتمعات السنية المستقرة.
حتى هذه اللحظة، وبعد 80 عاماً، تضخ القنوات وثائقيات وأفلاماً عن الجرائم النازية ضد اليهود، لا تتوقف.
وتزاحم هذه الأعمال في الجوائز والمهرجانات الدولية، ولا أدري سبب هذا الاحتشام، والحياء، والتردد لدينا.
* الصورة (مابعد الفوضى- وارسو )وثائقي في غاية الذكاء والجمال عن بناء وارسو بعد الاحتلال النازي، في اللب تكمن الرسالة، هو نموذج للإخلاص اليهودي العميق للقضية. شاهدوه على الشرق الوثائقية.
