من نحن؟
توماس فريدمان
دبي، الإمارات العربية المتحدة –
أشعلت هجمات الحادي عشر من أيلول والتي نفذها شباب غالبيتهم سعودييون بإسم الإسلام فتيل جدل في العالم العربي السنّي عن الدين وعن كيف أمكن لمجتمعاتهم إنتاج مثل أولئك الانتحاريين المهوسين. ولكن سرعان ما تمّ خنق الجدل بسبب حالة من النكران والغزو الأمريكي الفاشل للعراق. أيا كان، الحوارات هنا في دبي، إحدى تقاطع الطرق العظيمة في العالم العربي والاسلامي، تبيّن بأن بروز الدولة الاسلامية “الخلافة” في العراق وسوريا، ومعاملتها البربرية لمن هم ضدها – المعتدلين من السنّة أو من الشيعة، المسيحيين، الأقليات الأخرى، والنساء – قد أعاد إحياء هذا الجدل المركزي حول “من نحن؟”.
لماذا؟ لأن الدولة الإسلامية، أو داعش، هي محلية النشأة؛ هدفها ليس ضرب الأعداء البعيدين، وإنما لتفرض رؤيتها عن المجتمع الاسلامي هنا والآن؛ إنها تجذب المسلمين من كل حدب وصوب، حتى من الغرب؛ أيديولوجيتها تشوّه عنيف للإسلام الوهابي، الحركة التطهرية، المنافية للتعدية، التيار المهيمن في السعودية، ويتمّ بثه عبر تويتر وفيسبوك – كما يدرك الأهالي هنا- مباشرة إلى أبنائهم. لذلك إنها تفرض مواجهة حتمية ومؤلمة للمرآة.
يقول الباحث عبدالله حميد الدين – مستشار في مركز المسبار للدراسات والبحوث في دبي ويقوم المركز برصد الحركات الإسلامية ونشر ثقافة التعددية – “لم يعدْ بإمكاننا تجنب هذه المعركة، حالنا أشبه بقطار يتجه نحو هاوية”. أكثر ما لفتني هو رؤية المسبار لداعش ليس فقط كمشكلة دينية تتطلب مكافحة بخطاب إسلامي تعددي وإنما كنتاج جميع المشكلات المتفشية في المنطقة: التخلف التنموي، ضعف احترام النساء، الطائفية، التعليم المتأخر، الكبح الجنسي، انعدام التعددية، وقلة التعددية في كل الفكر المعرفي.
رشا العقيدي محررة من الموصل وتعمل محررة في مركز المسبار. هي لا زالت على تواصل مع أناس هناك منذ استيلاء داعش. تقول لي “إن الذي يحصل” هو أن السكّان السنة في الموصل “استيقظوا من الصدمة”. في السابق كان الناس يقولون “إن ‘الإسلام كامل وإن [العالم الخارجي] يستهدفنا ويكرهنا‘. الآن الناس أخذت تطّلع على الأدبيات التي تستند عليها داعش. أسمع من أشخاص في الموصل يقولون :’إني أفكر بأن أكون ملحدا‘.”
أضافت : عندما يأتي شاب لم يتجاوز الصف السادس وينضم لداعش ثم “يأتي ويأمر أستاذا في الجامعة بما عليه أن يدرّس وأنّ عليه أن يرتدي ثوباً، يمكنك تخيّل الصدمة. أسمعُ الناس تقول: ‘ لن أذهب إلى المسجد للصلاة طالما أنهم هنا. هؤلاء لا يمثلّون الإسلام. إنهم يمثلّون الإسلام القديم الذي لم يتغيّر‘.”
بالإضافة إلى المتطرفين الدينيين في داعش، قد تجد أيضا الكثير من الباحثين عن المغامرة ومن الشباب المعدومين الذين ينجذبون لداعش فقط بسبب أنها تمكنّهم من فرض سلطتهم على غيرهم. العديد من السنة الذين سارعوا بالانضمام لداعش في الموصل هم من قرية تلعفر القريبة والأفقر بكثير، وطالما كان يُنظر إليهم بدونيّة من سنّة الموصل.
تقول العقيدي :” إنك ترى هؤلاء الصبية [من تلعفر]. يدخنون. يشربون الخمر. ولديهم أوشام. واحد ممن انضم لداعش أتى لشابة أعرف إنها تغطي رأسها بالحجاب – ولكن لا تغطي وجهها – وقال لها بأن تضع البرقع وأن تغطي كل شيء. وقال لها، ‘إن لم ترتدي النقاب، سأحرص على أن تأتي إحدى نساء القرى الريفية، التي كانت أمثالكِ تحتقرهن طوال حياتك، لتبرحكِ ضرباً.‘ ” إن الأمر هنا عمن يملك السلطة – والاسلام المتطرّف ليس سوى الغطاء.
يرى حميدالدين: “أنَّ أُناساً ينجذبون للدين المعتدل لأنهم معتدلون أصلاً. وأناس ينجذبون للإيديلوجيات المتطرفة القائمة على إما أبيض وإما أسود لأنَّ الواقع الاجتماعي والاقتصادي المشوّه ينتج جاذبية لحلول من نوع إما أبيض وإما أسود.” (وهذا أحد أسباب كون المسلمين الباكستانيين أكثر تطرفا من المسلمين الهنود.)
نعم، الاصلاح الديني سيكون مفيداً، يضيف حميدالدين. ولكن “التدهور الكامل في الوضع الاقتصادي، الأمني والسياسي [في العراق وسوريا] هو الذي فرض تفسيراً للعالم بإما أبيض وإما أسود. والأمر يتطلب سياسات [حكومية] صائبة لمواجهة ذلك.”
مقصود كروز يدير مركز هداية الدولي لمكافحة التطرف والذي تستضيفه الامارات العربية المتحدة. يستنتج كروز بأن هزم “الداعشية” سيتطلب استثماراً طويل الأمد في تمكين وتعليم العرب على المنافسة والإزدهار في الحداثة. ولا يمكن إلا للناس هنا أن تقوم بذلك لأنه تحدٍ في طريقة الحكم، والتعليم والتربية.
قال كروز : “إنَّ الانتحاري قد يقرر عدم الضغط على الزناد، ووظيفتنا هي فهم كيف نستطيع مساعدته على قرار أن لا يضغط على الزناد، ونجعله واعيا، مدركا وعاقلا، بدلا من أن يكون منساقاً. إنَّ الأمر كله يتعلق بكيف نُعد وندعم شبابنا ونمنعهم من أن يكون أحداً يقول ‘أنا أملك الحقيقة‘”. إننا نحتاج أن يكون لديهم “القدرة على تفكيك الافكار ويكونوا محصنين ومقاومين” للتطرف. إنَّ الأمر كله يتمحور “حول كيف نجعلهم يتوفقون ويتفكرون” – قبل التصرّف.
15 نوفمبر 2014
النيويورك تايمز