منصور النقيدان
تكوّن المنظمات الإسلامية العاملة في الغرب بيئة متفرقة ومنقسمة بشدّة حيث إنها تمثل محوراً باتجاهين في المناظرات الأكاديمية والسياسية. يوجد على طرف هذا المحور «المجاهدون»: الجماعات والشبكات التي تتبنى العنف، وفي الطرف الثاني من المحور توجد الجماعات التي تسير على النهج الفكري لـ«الإخوان المسلمين».
ويرى المختص في الجماعات الإسلامية لورينزو فيدينو أنه في وسط هذا المحور نجد بعض المجموعات التي ترفض علناً الديمقراطية الغربية ومجتمعاتها، ولكنهّا لا تؤيد ولا تشارك في العنف، ففي السنوات القليلة الماضية شهدت بعض الدول الغربية نشوء الجماعات التي تتبنى أشدّ المناهج السلفية تطرّفاً، وتتعمّد افتعال الأنشطة المستفزة في إطار قانوني. كانَ القسم البريطاني من «حزب التحرير» الذي نشطَ في التسعينيات من أوائل الجماعات التي تتبنى هذه الظاهرة، ولكن منذ أوائل القرن الحادي والعشرين ظهرت جماعات مشابهة في ألمانيا، هولندا، فرنسا والولايات المتحدة.
من المفيد الإشارة إلى أن هذا الفرز إلى جماعات سلفية وغيرها هو تبسيطي للغاية، لأن الأفكار الأساسية لـ«حزب التحرير» تمثل تضاداً للسلفية التقليدية، وخصوصاً في المسائل التي يمكن إدراجها تحت مسمى (العقائد). فالجانب الفكري لهذا الحزب هو مزيج من فكر المعتزلة، ونزعته التكفيرية لا علاقة لها بالمرجعية السلفية الحديثية التي يمثلها أشهر علماء وأئمة السلف المتقدمين والمتأخرين. ولهذا يبدو لنا أحياناً أن التقارب الكبير بين «حزب التحرير» -وهو محظور تقريباً في الدول العربية باستثناء لبنان- وبين الجهادية السلفية التكفيرية، هو نابع من موقف تكفيري متطابق ضد الأنظمة والحكومات العربية. يتم من خلاله تجاوز الخلافات الكلامية لصالح حركية نشطة وفاعلة وواقعية من حيث تعاملها مع هذه الأشتات من ذوي الفكر الجهادي.
ويرى لورينزو فيدينو صاحب الكتاب الشهير «الإخوان المسلمون الجدد في الغرب»: «أنه رغم وجود اختلافات مهمة بين هذه الجماعات إلا أن جوهرها متشابه. وعلى الرغم من كون هذه الجماعات صغيرة في أعدادها إلا أنها تنجح في جذب اهتمام واسع بسبب النشاطات التي تجذب الاهتمام الإعلامي والمدروس بدقة بالغة، مثلاً خلق مناطق تحكم وهمية يتم فيها معاقبة التصرفات التي لا تتماشى مع الشريعة، والاعتصام قرب مراكز الاقتراع من أجل تثبيط عزيمة المسلمين على المشاركة في الانتخابات، ونشر صور لرموز القوى المحلية كمجلس النواب والقصور الملكية، وقد تحوّلت إلى مساجد أو محاكم إسلامية».
في نقاش أجريته عبر الهاتف مع رئيس المعهد الأميركي للأبحاث والدراسات في فبراير الماضي «ألان لوكسمبورج»، أبدى تخوفه من أن السنوات القادمة قد تشهد صعود موجة الكراهية ضد المسلمين في أميركا، وأوروبا بشكل أكثر حدة، مما يشجع على هجرة عكسية إلى بلدانهم الأصلية التي قدموا منها في العالم العربي أو في آسيا.
وتعيش بريطانيا أزمة حقيقية مع بعض مواطنيها من ذوي الأصول الباكستانية الذين تنمو بين شبابهم نزعة أكثر انعزالاً وتشدداً. يتزامن هذا مع قلق أمني متزايد من نشاطات الجماعات، إذ عبّر عدد من المسؤولين والمعلّقين الغربيين عن قلقهم من لعب هذه الجماعات دور الحاضنة والناقلة التي تولّد العنف. وكمثال لذلك فقد قامت مجموعة «الأمل لا الكراهية» البريطانية مؤخراً بنشر تقرير يبيّن أن ما لا يقل عن 70 شخصاً ممّن أدينوا بالإرهاب أو شاركوا في عمليات انتحارية كانت لهم صلة بمنظمة «المهاجرون»، وهي حركة بريطانية المنشأ تقلّد «حزب التحرير».
جريدة الاتحاد
الاثنين 06 صفر 1435هـ – 09 ديسمبر 2013م