منصور النقيدان
ما هي درجة الارتباط بين الإسلام السياسي وأعمال العنف سواء كانت هجمات أو اضطرابات، وما إذا كان ذلك الترابط مجرد ظاهرة عابرة أم أنه تلازم عضوي منشؤه استخدام التأويل للنصوص الدينية. يبدو أن الحديث هنا سيكون قاصراً على جماعات الإسلام السياسي السني، وليس الإسلام السياسي الشيعي أو غيره، كما أنه يمكننا إجراء فرز بين جماعات إسلامية تبنت منذ نشأتها العنف، وجعلت منه أساس وجودها. وبين جماعات أخرى رفعت شعار الاعتدال أو السلمية، ولكنها تورطت في لحظة ما، أو انجرفت لاحقاً نحو العنف المسلح. والعنف الذي تلجأ إليه الجماعات الإسلامية هو ما يمكننا تسميته بـ«الجهادية»، سواء كان تفجيرات، أو اغتيالات، وسواء كان هذا العنف مناوشات وصدامات أو احتكاكات جسدية لا ترقى إلى مستوى القتل، هذا العنف يكون أحياناً موجهاً ضد المسلمين حكاماً ومجتمعات وإلى غير المسلمين أيضاً عسكريين ومدنيين.
وحين نتحدث عن تأويل (خاص) للنصوص الشرعية التي عمدت إليها هذه الجماعات بكل تياراتها، فنحن نقصد تأويلاً فقهياً للقرآن الكريم ولحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي يشكل السلف المرجعية الأساسية له. وأعني بذلك فقه «الجهاد» الذي يستمد مرجعيته من اجتهادات الفقهاء السنة، أي ما ذكرته كتب المذاهب الفقهية الأربعة السنية، وهي عبارة عن سيل متدفق من التخريجات والاجتهادات وفتاوى النوازل عبر ما يقارب اثني عشر قرناً أو تزيد، اجتهادات جاءت استجابة للأوضاع السياسية المضطربة، لحالات الانكسار والاحتلال والهزيمة، التي مني بها المسلمون أو بعض منهم عبر التاريخ الإسلامي.
العنف كما يبدو أنواع، منها العنف الديني «الجهادي»، ضد الكفار غير المسلمين، وما يمكن وصفه بـ«المحارب» أو غيره، وعنف ضد المسلمين المتحولين عن الإسلام، وعنف ضد المسلمين الذين يخالفون في العقيدة أو الطائفة، وعنف ضد المسلم العلماني، وعنف ضد المسلم المرتد/ أو المبدل الممتنع عن تطبيق الشريعة! وهي آراء وخلاصات اجتهادات اشتغل عليها فقهاء، أو مشتغلون بالفقه، أو طارئون متطفلون على الفقهاء، وجدوا في أنفسهم الأهلية لذلك، وأسبغت الكاريزما القيادية عليهم نوعاً من الحظوة الروحية على أتباعهم. كما نشهده اليوم مع قيادات «جهادية» تكفيرية تصدر فتاوى تجد صداها في أتباعهم والمريدين لهم الذين يجعلون منها وقوداً فكرياً وحجة تسبغ على أعمالهم الشريرة الشرعية والإباحة.
ولا يمكننا أن نغفل مستويات من العنف، تناولها الفقهاء، منها ما هو منوط بالسلطة السياسية القائمة، بالإمام أو ولي الأمر المسلم، وهو عنف محتكر للسلطة ولا يحق للأفراد استخدامه، مثل إقامة الحدود، ويأتي مستوى آخر من العنف (الاحتسابي)، الذي يمكن للمحتسب (الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر) استخدامه، وهو الإنكار باليد. أي بالقوة. ورغم النقاش الكبير الذي دار حول هذه المسألة، منذ القرن الخامس الهجري وما بعده، حيث ذهب أغلب الفقهاء المتقدمين إلى أن ثمة مستوى من العنف الحسي يمكن للمسلم المحتسب أن يؤديه، ويأتي في هذا السياق الفتوى الشهيرة للفقيه الحنبلي ابن تيمية في أن شاتم الرسول مرتد يجب قتله حداً من دون استتابة، ويحق لأي مسلم قادر أن ينفذ هذا الحكم ولو من دون الرجوع إلى الإمام أو السلطة السياسية الشرعية.
هنا يبدو أننا نقترب أكثر من الإمساك ببعض خيوط الإجابة. هذا الاستعراض مهم في نظري، لأنه لا يمكننا أن نتناول عنف الجماعات الإسلامية بالمطلق والعموم، مع إغفال الإشارة إلى ما سبق، فما سبق يشكل المادة الخام لكل الأفكار «الجهادية» التي يعاني منها عالمنا اليوم.
جريدة الاتحاد
الاثنين 23 ذي الحجة 1434هـ – 28 أكتوبر 2013م