منصور النقيدان
نسجت الأحداث الأخيرة التي تشهدها سوريا، والقصص المؤلمة العنيفة التي عاشتها بريطانيا وفرنسا وكندا وأميركا وشاحاً من الألم والحزن والشعور باليأس. لأن كل هذه القصص عنوانها العرب والمسلمون.
تعيش بعض مجتمعات جنوب شرق آسيا أزمة مع هويتها، النابعة من تعدد الإثنيات واللغات والديانات التي تضمها دولها مثل الفلبين وأندونيسيا وتايلاند، وسنغافورة، وحتى ماليزيا، وهي مشاكل تعاطت معها كل دولة بحسب الحكمة والرؤية التي يتمتع بها قادتها وزعماؤها التاريخيون الذين كان بعضهم من رموز الاستقلال، وساهموا إلى حد كبير في نهضة مجتمعاتهم وانتشالها من الفقر. والغريب أن مهاجري هذه الشعوب لا يجدون أزمة مع مجتمعات وثقافات العالم الغربي الذي أووا إليه.
ربما يكون أحياناً من الأفضل للمجتمعات الصغيرة الطامحة إلى النهوض ألا يكون لها تاريخ كبير من التفوق والسيادة، لأن الإرث الضخم قد يتحول إلى عبء يعوقها عن تجاوز رواسب الماضي السامة، ويحول بينها وبين التأهل للريادة في حاضرها والسعي نحو مستقبل أكثر أملاً، ربما لأن وطأة الهوية تكون لها جوانب قاتلة على أبنائها، أو تكون مشوِّهة لتفكيرهم، تجعلهم مشوشين ولديهم تصور مغلوط عن واقعهم وعن تقديرهم لذواتهم ولشعوبهم. يستوي في هذا العامة والقادة.
ولهذا قد يكون التاريخ عبئاً على المجتمعات التي تعيش تحولاً حضارياً مفصلياً، أو انهياراً وضعفاً وتفسخاً، فالتاريخ المفعم بالانتصارات، والإنجازات، وقيادة الأمم والشعوب، قد يتحول إلى أشياء مسمومة تفسد الهواء الذي نتنفسه والمجال الذي نقلب أبصارنا فيه، والأفق الذي نرمقه، فتزيف الواقع وتعطي صورة غير حقيقية عن الذات، وتشوه العلاقة بين الأفراد والمجتمعات وبين كل من حولهم. ولكن لا الأسى ولا النواح ولا التأبين يمكنه أن يسعفنا في تجاوز أزمتنا الحضارية، فما يعيشه المسلمون اليوم في بلدانهم الأصلية، أو الذين هاجروا منهم في أرض الله الواسعة، هو تعبير صادق عن الانكسار.
ولكن أيضاً يمكن للتاريخ أن يساعدنا على النهوض، إذا أحسنـّا التعامل معه ليكون إلهاماً لنا شأن قصص النجاح الكبيرة التي نحكيها لأبنائنا، ويرددها الأساتذة والمحاضرون، فمن يقرأ موجز تاريخ العرب في القرون الثلاثة الأولى، سيجد سجلاً عظيماً من قصص النجاح، في العلوم، والفنون، والآداب، والقصص العظيمة الملهمة للأبطال والفاتحين، والزاهدين والأتقياء، والمتصوفة العظام الذين تمثل أعمالهم اليوم سفراء للحضارة العربية، وأزهى عصور المسلمين الغابرة. فقط حين نقرأ كيف كانت الفنون والآداب والانفتاح والتسامح في مكة والمدينة والحجاز في فترة مبكرة بعدما توسعت الفتوح. ومثلها بعد ذلك بخمسة قرون، ومثلها اليوم أيضاً في البؤر المشعة التي حافظ قادتها السياسيون على تجنيب مجتمعاتهم مزالق الثورات، وسعوا في الوقت نفسه إلى تطويرها وتحقيق آمال مواطنيهم.
إن الإمارات اليوم تمتلك بين أحضانها أعظم طاقة إيجابية من الحب والسعادة والأمل والرضى، ويمكننا أن نقول الشيء نفسه اليوم عن تركيا، وعن ماليزيا. إذا فقدنا الأمل لن يمكننا أن نبدأ خطواتنا الأولى المتواضعة نحو إصلاح الذات والبيت والعائلة والحارة. ولحسن حظنا أنه في خضم هذه الأحداث المؤلمة من الإرهاب والقتل والتفسخ وانهيار النسيج الاجتماعي في أكثر من منطقة في عالمنا العربي، أنه في هذه الدوامة المؤلمة ثمة جيل فرح وتملؤه الغبطة والحماسة لجعل الواقع أفضل. وهذا يعني أن الإلهام قد يأتي من الحاضر، ومن قصص النجاح الجزئية التي نشهدها كل يوم. فحاضرنا اليوم هو تاريخنا غداً. إذا تأملنا سحنات أبناء المجتمعات الصاعدة، سندرك تماماً أن السر في عيونهم.
جريدة الاتحاد
الاثنين 17 رجب 1434هـ – 27 مايو 2013م