منصور النقيدان
النوايا الصالحة، قد يكون لها اليوم تأثير يفوق بالتأكيد ما تبديه الكلمات المنمقة، والمجاملات الباردة، والأمنيات المزيفة التي يتملق بها الفرقاء بعضهم بعضاً، ويتظاهر بها المتخاصمون أمام وسائل الإعلام، وهم يضعون حرابهم في خصور بعضهم بعضاً، ويهلكون الحرث والنسل، ويرفعون راية القرآن والله منهم براء. أليس يلجأ المسلمون حين تجدب الصحراء وتعظم اللأواء، ويجف الضرع، وتنكسر النفوس، إلى خالق الكون بأن يرزقهم القطر، والحيا ليحيي به بلدة ميتاً، ويلم به الشمل، ويسقي به البلاد والعباد. فما الذي يحول بين أن نلجأ اليوم نحن عباده الضعفاء، وفينا الصالحون الأتقياء وذوو القلوب الطاهرة، والحكماء الذين يجدون في خبر كل قتيل ونبأ كل تفجير تترمل إثره النساء، وتتشتت بعده الصبايا والرضع والعجائز الكلمى والشيوخ المنكسرون، يجدون في كل هذا الدمار والاحتراب أمة تمزق، وآمالا تتهاوى، ومستقبلاً كان مشرقاً أصبح حاضراً مضمخاً بالدماء معتماً بالظلمة.
إن ما يحصل اليوم في سوريا والعراق وكل بلاد المسلمين يستحق منا حقاً تلك النوايا والدعوات الصالحات، عسى أن يرأف الله بنا.
هل لنا أن ننتظر اليوم المعجزات، أو نطمع بالكرامات؟ أيحق لنا أن نتقفى الأخبار، ونستجلي ما وراء السجف التي تلفنا، والفتن التي تطحن الجميع في انتظار مخلص ينتشلنا من هذا الواقع المؤلم؟ أيمكن لنا نحن اليوم العرب المسلمين أن نبحث عن معجزات بعد أن ختمت النبوات؟
يقال إنه ليس لنا الحق في التطلع إلى المعجزات، وليس لنا من ذلك إلا الكرامات، فالكرامات عند الأولياء هي ثمار الإيمان، ينفح الله بها عباده الضعاف عند الحاجة، في اللحظات الحرجة التي يهتز فيها إيمان الإنسان وتفتر جذوته في صدور الناس، مع طول الأمد وقسوة القلوب، ولكنها ليست متاحة لكل أحد. ويقال إن أحمق الناس هم طلاب الكرامات والمتصيّدون لها. ولكن أليس كل ما يحيط بنا اليوم، يدفعنا اضطراراً لتتبعها، والبحث عنها، والضرب في الأرض عسى أن نجد قبساً يرشدنا إليها، ومسكة من أمل تقودنا نحوها؟
والذين قرأوا بعضاً من تاريخ العرب في الجاهلية، يمكنهم تلمس مدى اليأس الذي كان يشعر به أشهر أعلام الموحدين في ذلك العصر، مثل قس بن ساعدة، وزيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل. في الحقيقة إن ما أنجزه المسلمون في أزهى عصورهم، لم يكن إلا نتاجاً لتلاقي الإرادة الجبارة، مع الإيمان الصادق، الذي يفوق تأثيره كل المعجزات الحسية، وطلاسم الساحرات، وعقد الرقاة، فما تحقق لم يكن إلا استثمار ما منحه الخالق لعباده العرب الضعفاء الذين يتساوى معهم كل البشر، غير أن ما امتازوا به يومها هو النوايا، وصدق الإرادة، والطاقة العظيمة المجلجلة التي قلبت العالم رأساً على عقب وورثت حضارتين عريقتين.
قبل سنوات نقلت وكالات الأنباء أن علماء أميركيين في المركز القومي للدراسات المناخية توصلوا إلى أن انفلاق البحر للنبي موسى قد يكون حقيقة لا تتصادم مع العلم، وأن ذلك ممكن الحدوث بفعل عصف رياح شرقية تتجاوز سرعتها 100 كم في الساعة. ويقول هؤلاء إن محاكاة الحدث على أجهزة الكمبيوتر أكدت إمكانية ذلك، أي أن موسى ضرب بعصاه البحر في اللحظة التي عصفت فيها رياح قوية محدثة طريقاً سمح لنبي الله أن يَعْبُر هو وقومه قبل أن يطبق الماء على فرعون وجيشه.
أياً يكن فإن حالة اليأس القصوى هي التي تصنع المعجزات، لأنها تستحث فينا كل القوى والطاقات الكامنة، وحينها، فإن المدد من خالق الأرض والسماء يكون على الأبواب، (أمْ مَنْ يُجيبُ المُضطرَّ إذا دعاهُ ويكشفُ السُّوءَ).
جريدة الاتحاد
الاثنين 24 رجب 1434هـ – 03 يونيو 2013م