(( أخي منصور النقيدان ))
بينما كنت ليلة الجمعة 19/5/1430هـ في مكتبتي أقلب أوراقاً قديمة ، وقع بصري على مذكرة تقع في ( 36 ) صفحة في أولها أبيات لجنابك بخط يدك وهي قولك :-
بحكمة جبار وقدرة قـــــادر نفلق هامات الغواة الغوادر
بنصٍ صريح من كتاب وسنة وأقوال أسلاف تنير لسائر
ثم كُتب في آخر المذكرة ( كتبه/ منصور النقيدان الثلاثاء 6/12/1409هـ ) وكانت بخط يدك وأنامل كفك ، عندئذ تذكرتكم أخي منصور ، فرجعت إلى الوراء عشرين سنة أو أكثر تذكرت اجتماعنا ، تذكرت أيامنا ، أخوتنا ، ذكرتني المذكرة بدار الطين غرب جامع/ الخريصي تلك الدار التي احتضنت نخلةً باسقة ، وفناءً واسعاً ، وقبل هذا وذلك احتضنتك يا منصور ، لها بابان غربي وشرقي ، ومجلس وغرف ، قامت تلك الدار على الطين ، وسقفها مرفوع بجذوع الأثل ، وجريد النخل ، كم مرة احتسينا فيها القهوة والشاي ، أظنها الآن أصبحت قاعاً صفصفاً وأثراً بعد عين ، إنها مرات ومرات .
ذكرتني بأيامٍ مضت ، وشهورٍ خلت ، وأعوام انقضت ، ذكرتني الأبيات بمنصور ، عندما كنت أجلس معه وإليه على موائد العلم والمذاكرة ، عند ما كنت أنصت لكلماته ووصاياه القيمة ذكرتني عندما كنت أستفيد من علمه وفهمه ، وأتعلم من صبره وزهده ، ذكرتني المذكرة بالمجالس الصالحة ، والأماكن الفاضلة ، وما فيها من فوائد جمة ، ذكرتني عند ما كنا نقرأ جميعاً من كتب أئمة الدعوة ، وابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم ، ذكرتني يا منصور بمكتبتك الزاخرة بكتب أئمة الإسلام في بيت الطين ، ذكرتني المذكرة بغيرتك على الدين وزهدك في الدنيا وقولك للحق ، وصمودك أمام الباطل ذكرتني بصفاتك التي تميزت بها حيث قوة الشخصية ، وسرعة القرار ، ورباطة الجأش ، وبراعة اللفظ ، وروعة التعامل ، وفن الحوار ، وعدم الضعف أو الاستسلام ، كنت لا تضعف أمام الآخرين مهما أجلبوا عليك بخيلهم ورجلهم ، نعم كنت نحيل الجسم ! قصير القامة ! ضعيف السواعد ! ولكنك كما كنت أعرفك قديماً قوي الجنان .
ذكرتني المذكرة : بمحبتك للعلم ، وتفانيك في الدفاع والذود عنه وبصدعك بالحق ، سمعت منك كلمة عن بعض وسائل الإعلام في مسجدالحجر ( حي الهلال ) والذي كان إمامه/ المرزوق آنذاك أرجو أن لا تكون نسيت(1407هجري) !! وخطبتك في جامع الملك بالصفراء (شعبان 1410هج) والذي خطيبه المشوح آنذاك ، مع عدم الرضا عنها !! .
تذكرت عندما قلت لي : احفظ القرآن فإني لك ناصح ، واحفظ من السنة إن كنت تريد العلم على حقيقته .
ذكرتني الأوراق التي بين يدي ، منصوراً الزاهد ، منصوراً الخاشع ، منصوراً القارئ لكتاب الله ، منصوراً المنصور بكتاب ربنا وسنة رسوله $ ، المنصور بالعلم الشرعي المنصور بالإيمان واليقين ، المنصور بالعقيدة المتينة الثابتة الراسخة رسوخ الجبال الرواسي المنصور بصلاته وخشوعه وخضوعه لله رب العالمين .
تذكرت هدوءك ووضوءك ، وسمتك ، وكرمك وبذلك ، لقد كنت كريماً جواداً ، تبذل المال وتكرم الضيف ، تذكرت : عند ما كنا سوياً نتناول الغداء أوالعشاء في تلك الدار ، أوفي بيتكم بالصفراء ، كانت أياماً جميلة ، وخرجت آخر مرة أُخرجت من السجن بكتب كثيرة والتي تحمل رقم (257 ) لازالت عندي حتى هذه الساعة منها كتب للأديب علي الطنطاوي – رحمه الله – تذكرت عندما اتصلت عليّ بعد صلاة الفجر عقب خروجك من السجن مباشرة ، تبشرني بالفرج بعد الشدة ، وباليسر بعد العسر ، وقلت لي إني إلى أخبارك يا فهد لمشتاق ، فجئت من منزلنا في الموطأ إلى منزلكم في الصفراء ، وجلسنا من قبل طلوع الشمس حتى زالت ( أذان الظهر ) ، ولم نمل أو نكل من التقابل ، وظهر من حديثك الندم على مامضى ، وأن تتفرغ للعلم وحده ، وتترك ما عداه ، ففرحت لك بذلك أيما فرح وأيدتك عليه أعظم تأييد ، منصور منذ عام 1414هـ لم أرك .
كيف حالك ، وكيف هي أمك ، هل هي ما زالت على قيد الحياة إن كان كذلك فأقرئها مني السلام ، وإن كانت الأخرى فإلى رحمة الله الواسعة ، منصور هل أنت متزوج ، وهل لديك أولاد ، وكيف هو وضعك المادي ، هل أنت موظف ، وكيف هي صحتك ، وما هي اطروحاتك وأفكارك ، منصور إن لك عقلاً سيردك إلى نقطة وسط ، وكلمة سواء ، عد لا إلى ما كنت عليه سابقاً ، ودع ما أنت عليه الآن ، فدين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه .
منصور عد إلينا لا ببدنك فحسب ولكن بعقلك ورشدك ، عد إلينا حيث مكانك ، منصور ليكن لك من اسمك نصيب ، فأنت منصور بالحق فاصدع بالحق وأعرض عن المرتابين .
منصور عد إلى رشدك لا يهمنك أمر الناس ، ولا تسع لإرضائهم ، فالله أحق أن ترضيه منصور أنت لست بحاجة إلى مرضاة الناس ، حتى لو رضوا عنك ، عد ولو قالوا منصور ضعيف ! منصور خائف ! منصور متذبذب ! فلأن تكون تابعاً في الحق ، خير من أن تكون رأساً في الباطل .
منصور إن اهتديت فلنفسك ، وأن ضللت فإنما تضل عليها ، ولا تضر الله شيئاً .
أخي إن الرجوع إلى الحق ، خير من التمادي في الباطل ، ولا أشك أنك غير مرتاح ، أومطمئن لما أنت عليه الآن ، كما أني واثق أنك تعتقد في نفسك أنك على غير هدى ، أتمنى أن تكون رسالتي واضحة ، ويعلم الله أن الحامل عليها محبتك أولاً لما بيني وبينك من روابط قديمة ، ولمكانة أسرتك ( خاصة أمك العزيزة )، والتي أعدها أماً لي، وطمعاً في الأجر والثواب من الله والنصح لك لما أعرفه عنك من ذكاء وفطنة ، وعقل وسمت ، والأمل بالله وحده أن يجعل عقلك دليلك إلى الهدى والرشاد .
والسلام عليك دائماً وأبداً ؛؛؛؛
صديق قديم يرجو أن لا تنساه من دُعائك
فهد بن سليمان التويجري
3يونيو2009