منصور النقيدان
يلعب الإعلام أحياناً دوراً سلبياً ومضللاً، وسطحياً، حتى وإنْ كان يتناول أوجه النجاح في تجربة دولة مثل الإمارات. لنعد إلى التاريخ القريب، حين شغفت وسائل الإعلام الغربية قبل الأزمة الاقتصادية العالمية بظاهرة دبي، ونشرت لكُتاب كبار وخبراء مقالات تكيل المدائح وتتغنى بنهضة الإمارات، موجهين النقد لحكوماتهم الغربية على عدم قدرتها على المنافسة والوصول إلى المستوى الرفيع من التنظيم والرفاه والإدارة الذي يجده السواح والمقيمون ومواطنو الإمارات. لم تكن يوماً وسائل الإعلام العربية والغربية، ولا تطرح أسئلة أكثر عمقاً عن السر وراء كل ذلك الإنجاز، وعن الرؤية الحضارية التي كانت ولا تزال أساس هذا الصعود الذي أثار الصدمة والغيرة أحياناً.
لم يحاول الإعلام الربط بين ما تحقق من نجاح اقتصادي وبين التجربة الإماراتية الاجتماعية والسياسية، حيث أوجدت البلاد لنفسها خلطة خاصة من التسامح واحترام الأديان، واحترام الخصوصيات الاجتماعية والفردية وتمكين المرأة وانتشار الأمن، بالإضافة إلى خلو الإمارات البلد المسلم من الأحزاب والنشطاء الإسلاميين، مع وجود ملايين من الأجانب يشكلون 80 في المئة من السكان. والسؤال الجدير بأن يطرح هو: لماذا لا ينفلت الخطباء والوعاظ والإسلاميون على أصحاب الديانات والطوائف الذين يعيشون في البلاد، كما هو في دول إسلامية أخرى؟
لقد ظُلمت التجربة الإماراتية الحديثة مرتين، حين تغنت بها بعض وسائل الإعلام الغربية قبل الأزمة الاقتصادية، قاصرة التعاطي مع القشور مهملة اللب والجوهر، وظُلمتْ الإمارات مرةً أخرى بعد الانهيار الاقتصادي العالمي، حيث كانت صحف بريطانية وأميركية تتربص وتتلقط الأخبار السيئة.
يطرح بعض المفكرين والخبراء أفكاراً حول استمرار مكانة أوروبا في القرن الحادي والعشرين، وعن بقاء أميركا القوة العظمى وسيدة العالم، بينما يؤكد آخرون أن الشرق سيرث هذه المكانة نفوذاً وثراء، حتى وإن لم تتوافر كل شروط النهوض الحضاري والصعود الاقتصادي والإصلاح السياسي، وفق الرؤية السائدة اليوم عند دوائر من المفكرين والناشطين والخبراء السياسيين الغربيين، التي أصبحت عقيدة لا يمكن المساس بها. وهذا يفضي بنا إلى القضية التالية.
إن الوضع الطبيعي للنمو والإصلاح ونهوض المجتمعات هو عقود من السنين، وجيل أو جيلان، يدعمه نمو ورفاه، وإصلاح للتعليم، وخطوات وئيدة في الحريات السياسية، وهو الوضع الذي عرفته أوروبا وأميركا في القرون الثلاثة الماضية، وهذا ما تنخرط فيها الإمارات منذ سنوات، لتصل في النهاية إلى نموذجها الذي رسمته سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وتبتكر نكهتها الخاصة بها.
لقد أكدت شبكات التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية وثورة الاتصالات أنها أحد أهم العوامل في التحول الضخم الكوني ثقافياً وسياسياً، وتلعب وسائل الإعلام جزءاً أصغر في هذا التحول، فالإنترنت جعل العالم أكثر قرباً إلى بعضه.
لقد قدمت ثورة الميديا خدمة هائلة في تعريف البشرية ببعضهم، مجتمعات وثقافات، ورفعت مستوى الوعي السياسي وحقوق الإنسان، ولكنها أيضاً خلقت عالماً منفلتاً لا يمكن ضبطه، جعل منا مواطنين طوباويين أقل صبراً وأكثر تذمراً، وجعل من فئة من الناشطين الطامحين أكثر تشكياً وإظهاراً للعيوب وتحقيراً للإنجازات. إن للإنترنت وتويتر وثورة الميديا دوراً سلبياً كبيراً، وتكاد الحكومات تبقى عاجزة أمام هذا الطوفان، الذي خلق عالماً غريباً مشحوناً بالسخط والصراخ والجوع السياسي الذي لا يشبع.
والمحزن أن الحديث اليوم عن دعوة لإجراءات صارمة وإدارة محكمة تتخذها الدول ضد هذه الفوضى؛ يكاد يكون عاراً وخزياً على الكاتب والمثقف أن يتحاشاه، أو يلمح إليه، حتى لا يوصم بالرجعية والتخلف. الخلاصة أن من يهيمن على هذا الفضاء سيكون هو الأقوى والأقدر على الممانعة.
جريدة الاتحادالاثنين 13 ذي الحجة 1433هـ – 29 أكتوبر 2012م