منصور النقيدان
ترى فئة من المراقبين أن الاستجابة الثورية في دول “الربيع العربي” التي عانت من الاستبداد والقهر والفساد كانت تواجهها عوائق، منها قلة الوعي وتجهيل الأجيال، واستحواذ الأنظمة على كل مجالات الحياة. إلا أن الأمور -حسب هؤلاء- اتجهت نحو التغيير في السنوات الأخيرة، مع ثورة الفضائيات والإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، وسعي المنظمات الغربية لحقوق الإنسان ومنظمات أهلية أخرى منذ منتصف العقد الماضي، إلى تدريب كثير من الناشطين الفاعلين الذين شكلوا النواة والانطلاقة للثورات، حيث راجت شعارات الكرامة والعدالة وحقوق الإنسان.
وفي الوقت الذي كانت فيه غالبية الأنظمة العربية جامدة مكانها، أو تتعامل باستهانة مع تلك الإرهاصات والتحركات، كانت الشراهة لدى فئات اجتماعية كثيرة، وتيارات سياسية طامحة نحو التغيير -أياً كان هذا التغيير- تتعاظم كل يوم.
إن ما يجري في المنطقة العربية، لا شأن له بمؤامرات خارجية -يمكن إثباتها- تقودها دول عظمى أو أخرى خفية لإسقاط الأنظمة، بقدر ما يكشف حجم المظالم، والمطالب، والمطامع، والأحقاد التي كانت تعتمل تحت السطح ولم يكن يحول دون انفجارها إلا كسر حاجز الخوف، وضعف قبضة الأمن في تلك المجتمعات، وحين انفجر كل شيء، بدا صادماً أن طوائف وفئات وشرائح كان يجمعها كيان واحد أصبحت غير معنية بالسلم ولا بالاستقرار والأمن، بقدر ما تسعى لأن تلبي مطالبها حتى وإن كان في ذلك دمار وخراب.
غير أن ما لا يمكن إغفاله أن تستهدف الحملات مجتمعات مستقرة تحظى بشرعية سياسية واجتماعية، وينعم مواطنوها بالرفاه، وتشهد ازدهاراً ونهضة اقتصادية وتعليمية في ظل أزمة اقتصادية خانقة تجتاح العالم.
لا مكان للبراءة في عالم السياسة. وإذا كانت قوى سياسية دولية أو إقليمية، أو تيارات اجتماعية تكمن مطامعها وراء الشعارات البراقة لحقوق الإنسان ومطالب الحريات، وتتلبس أغراضُها النوايا الحسنة للشباب -الذين يجدون تطلعاتهم ومهوى أفئدتهم في أدوار اجتماعية يمكنهم القيام بها، حتى وإن تحولوا إلى أدوات ودمى ومخبرين- فإن الاكتفاء من قبل المسؤولين بالشكوى ليس حلاً، بل هو عجز وقلة حيلة، والأسوأ من كل ذلك التراخي والركون إلى الإيمان الغيبي، والثقة بالقياس على وقائع التاريخ الغابر.
والشكوك تدور اليوم حول حقيقة الأهداف النبيلة التي تكمن وراء كثير من الناشطين في مجال حقوق الإنسان من الأجانب والعرب، وفي الأهداف البعيدة للجمعيات الأهلية أو المنظمات الدولية التي تمارس هذا الاحتساب على المجتمعات، وتصدر تقاريرها، وتجعلها أداة لتحقيق مصالح سياسية لقوى عظمى.
إن من الفاعلين المؤثرين الناشطين في هذه المؤسسات، من يطمحون إلى إيجاد عالم من الفوضى، تضعف فيه قوة الدول، وفيهم من يبحثون عن أدوار بطولية، أو يعانون من مشاكل شخصية متعددة تدفع كثيراً منهم للبحث عن دور يجعل منهم قديسين، ومؤسس ويكيليكس مثال لهذا. وفيهم من يسعى لتحقيق مصالح طائفية تتلبس شعار العلمانية والليبرالية.
إن الدول المتضررة من هذه الحملات الشعواء يمكنها أن تقبض على مفاصل التعامل مع هؤلاء، والغوص عميقاً لمعرفة خبايا وطرق التفكير لديهم، كما أنه يمكنها أن تقوم أيضاً بتتبع مصادر التمويل لهذه الجمعيات والمنظمات التي تتظاهر بالاستقلالية. ويمكنها حينها أن تمسك بزمام الأمور، وربما تكون فاعلاً خفياً في توجيه أنشطة هذه الجمعيات ومن يقودها لكي ينقلب السحر على الساحر، وكل ذلك يحتاج إلى صبر وأناة وصمت، ليؤتي ثماره. ولكن الأساس هو الحضور بقوة في الفضاء السايبري، لأنه إكسير القوة والتأثير.
جريدة الاتحاد
الاثنين 27 ذي الحجة 1433هـ – 12 نوفمبر 2012م