في بدايات جريدة الوطن، بعد أيام من انطلاقها، جاءني التوجيه من رئيسي بالتواصل معه لاستكتابه أو على الأقل الحصول على شيء منه يُثري الصحيفة.
ويبدو أنه تم الترتيب معه مسبقًا، لا أذكر أي الزملاء ساعدني من نواب رئيس التحرير، ولكن الشيخ اعتذر، وعوّضنا بدراسة طويلة له أُرسلت بالفاكس بخط يده، لنشرها في الصحيفة، ولا أذكر ما الذي حصل، فقد مضى عليها 23 سنة.
تعيَّن أبو سليمان عضوًا في هيئة كبار العلماء عام 1992 – 1413 هـ.
كانت لحظة مهمة وحاسمة في فهم الأحداث، وقتها وتبعاتها.
قيل إن الملك فهد فرضه على هيئة كبار العلماء، مع ممانعة من صقورهم لم تستمر، وخضعوا لها،
محتفظين بالجمارة ومصدر الأثير داخليًا: اللجنة الدائمة للإفتاء، التي أُقصي عنها أكثر أعضاء الهيئة علمًا وانفتاحًا وتيسيرًا، وبقيت لسنوات طويلة مغلقة على الأكثر تشددًا، وهذه قصة أخرى.
وكان الملك فهد بعد احتلال الكويت قد شعر بالأضرار والمخاطر التي شهدتها المملكة من “المطاوعة” التنظيم السروي والإخواني، وأن البلد يحتاج إلى تغيير حقيقي.
وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير، الهجوم على دبلوماسيين أوروبيين وأمريكيين في حفل رأس السنة في حي السفارات، من قبل أعضاء الهيئة.
قال لي أحدهم: “جتنا الإخبارية ورحنا – خمسة أشخاص تقريبًا – وجدتُ فأسًا في شنطة السيارة، فأخذته للتخويف ليس إلا، وتسلقنا عليهم.
هجم الفايكنج على المحتفلين، وكان شيئًا مروعًا.
لم يستخدم فأسه حسب كلامه، ولكنه كان كافيًا، حين رأت الفأس بيده، أن تلقي واحدة من السيدات نفسها من البلكونة بإصابة بليغة، بينما سُحبت أخرى من ظفائر رأسها في ممرات الفيلا.”
ترافق تعيين أبو سليمان مع اثنين من أعضاء الهيئة لا يحضرني اسمهما، لكسر الانغلاق، مع تغييرات في مناصب دينية أخرى، وفي رأس هيئة الأمر بالمعروف حيث عُيّن الشيخ عبدالعزيز السعيد الأزهري، عاشق الموسيقى وطه حسين والعقاد، وتعرض المرحوم لحملة كبيرة من التشويه والأكاذيب والطعن في عرضه.
وجاءت اللحظة المهمة الحقيقية في تأسيس قنوات الـ MBC.
قال الملك فهد لمن اختارهم لتحقيق الهدف، ومنهم الوليد البراهيم: “افتحوا البلد، هذه مسؤوليتكم.”
لكنها كانت خطوات بسيطة، وغرسًا على أرض لم تكن بعد مهيأة، ممانعة داخلية، وتنازع مصالح وولاءات في صناع القرار، ومرض الملك بعدها.
ولم يُكتب لرغبة الملك أن تكون رؤية ولا نهجًا، ولم تتبعها مشاريع تدعمها، ولم يكن لها عصبة صلبة متجردة لها تؤمن بها وتخطط وتدفع بالبلاد نحو المرجو.
كانت أمشاجًا من القرارات، وكانوا موزعين ومترددين، ولم يكن يجمعهم مشروع يضمهم.
غالب المبادرات كانت فردية وخجولة وخائفة.
لهذا ارتكست.
وفي نهاية 2001، كانت لحظة أخرى آتت بعضًا من المرجو، ولكنها تلاشت، وأمكن ابتلاعها في ثقبٍ أسود مستقر وراسخ وقادر على التكيف والامتصاص.
ولكن كان شيءٌ تحت السطح يجري.
كان التاريخ في أوج نشاطه لتغيير المجتمع، ولكن الوقت لم يحن بعد.
هذه اللحظة كانت – من دون أرقام ولا إحصاءات عندي، هي مجرد ملاحظات ورأي – الأكثر سطوعًا في التمرد الفكري الديني، وفي ازدهار الإلحاد سعوديًا بين الشباب والشابات.
ومع الملك عبدالله، كانت البلاد قد اتجهت نحو الانعتاق،
حتى وصل الملك سلمان إلى الحكم، وبدأت قصة الحلم الكبير. رحم الله عبدالوهاب أبو سليمان.