منصور النقيدان
بعض الكتاب الأتراك الموالين للحكم التركي الجديد يتخوفون مما يسمونه لعبة تدار وتركيا على دراية تامة بها، وأنه إذا كانت تحذيرات تركيا فيما يخص القضايا المهمة بالمنطقة لم تؤخذ في الاعتبار -ومنها ادعاءات أردوغان في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي أن تركيا تركت لوحدها في مواجهة المشكلة السورية- فلماذا يتم الزج بها في النار بحجة محاربة «داعش»؟ ويذهب هؤلاء إلى أنه يجب على تركيا ألا تشارك في التحالف الدولي ضد «داعش»، لأن مشاكل العراق لن تحل بالعملية العسكرية وتفكيك «داعش»، وإذا انتهت «داعش»، فستظهر «داعش» أخرى تدعمها الدول التي قامت بالعملية العسكرية حرصاً على مصالحها، كما أن هذه العملية لن تحل مشاكل العرب السُّنة، التي لن تحل بدونها مشاكل العراق، حيث إن من خططوا للعملية العسكرية، لم يضعوا في الحسبان خطة لحل قضايا المسلمين من أهل السنة.
إن الحديث عن الشفافية فيما يخص العلاقات السابقة مع «داعش»، لن يفيد فيه إصرار رئيس وزراء تركيا الجديد على الحديث عن «داعش» بلهجة مثيرة للشك، حيث إن أحمد داود أوغلو قبل أسبوعين بدلاً من وصف «داعش» بالإرهابية، اتهم حكومتي العراق وسوريا بتهيئة المناخ، مما تسبب في تنامي هذا التنظيم.
إذن فأحمد داود أوغلو لم يكن مخطئاً بشأن الأداء المأساوي للشام وبغداد، ولكنه رفض صراحة إدانة الأعمال الوحشية لمقاتلي «داعش» تجاه الإيزيديين والشيعة والمسيحيين. هنا يمكن طرح سؤال أكثر صراحة: ما دام القادة الأتراك الجدد يشكون من دور حكم المالكي في العراق والأسد في سوريا في تنامي الإرهاب وانتعاش «داعش»، فما الذي يدفع الأتراك ليسمحوا بتسهيل تنقلات مقاتلي «داعش» داخل الأراضي التركية، قبل اختطاف الدبلوماسيين الأتراك في يونيو الماضي؟ ما الذي يجعل القنصل التركي «يلماز» الذي كان واحداً من الرهائن الذين أطلق سراحهم مؤخراً يشير إلى شكوك بخصوص أداء حكومة أردوغان أثناء الأزمة.
تضاعفت في الآونة الأخيرة حملات الصحافة الأميركية والبريطانية لكشف دور الأتراك في دعم «داعش» وإمدادها بالمساعدات المالية، والمحاربين، وجاء بعده الضغط السياسي للأميركيين تجاه الأتراك، ويتوقع طلب المزيد من تركيا بسبب قربها من ساحة الصراع، وعضويتها في حلف «الناتو»، وسيدخل في ذلك أيضاً الدعم العسكري والمخابراتي.
الصحافة الموالية لأردوغان نشرت مقالات عديدة منها ما يفسر صمت تركيا تجاه «داعش» بأنه لا يعني عدم تأثرها بالوضع، أو عدم اكتراثها به، ولكن الموقع الجغرافي يجعل تركيا ومن الآن في طليعة الدول المتأثرة بنتائج ضربات التحالف ضد التنظيم، وأن أوجه التأثير السلبي تشمل الجانب الأمني: حيث سيطرة «داعش» على حدود سوريا والعراق. والجانب السياسي: حيث التوازنات الجديدة والائتلاف الذي سيتشكل ضد «داعش»، ويضغط على تركيا لتوضيح موقفها. والجانب العسكري: حيث منح الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، السلاح لقوات البشمركة الكردية (وربما يدخل فيها حزب العمال الكردستاني)، مما يمثل مصدر قلق آخر لتركيا. والجانب الاجتماعي حيث أدى عنف «داعش» إلى نزوح التركمان والإيزيديين إلى تركيا، إضافة إلى وجود مليون ونصف مليون لاجئ سوري، فضلاً عن الحدود المفتوحة مع العراق.
وعلى كل حال فلابد من التعمق أكثر في معرفة الدور التركي في صناعة الإرهاب الذي تعيشه العراق وسوريا، في هذا السياق نقلت «الإندبندنت» البريطانية في تقرير لها الأسبوع الماضي عن العديد من الأكراد الشعور بالاستياء تجاه الحكومة التركية زاعمين أنها تتواطأ مع «داعش» لتدمير الجيوب المستقلة لأكراد سوريا عبر الحدود التركية، فيما تساءلت وسائل الإعلام المؤيدة للأكراد عما إذا كانت «داعش» تمثل الجناح شبه العسكري لمشروع العثمانية الجديدة في الشرق الأوسط؟