منصور النقيدان
يكاد يكون الكاتب السعودي جاسر الجاسر في مقالته «تمير معنى المواطنة» هو الوحيد الذي لمس بذكاء أبعاد الثورة الاجتماعية في محافظة تمير (شمال العاصمة الرياض) ضد الخلية النائمة، التي كان أعضاؤها وراء تجنيد 35 شاباً من أهالي البلدة التي لا يتجاوز سكانها خمسين ألفاً. كان بعض من ألقي القبض عليهم وأعلنت أسماؤهم ممن سبق أن تورطوا في نشر التكفير منذ اثنتي عشرة سنة، وكانت توجهاتهم معروفة ونشاطهم يعرفه المتابعون من خارج المدينة فضلاً عن أهلها. وليس سراً أن بعض المتضررين من مروجي التكفير قد وجدوا تأييداً حكومياً لرفع دعاوى ضد المتورطين.
وكان المرحوم الأمير نايف بن عبدالعزيز قد أكد مراراً في أكثر من مناسبة أن العلماء والمفكرين لم يقوموا بواجبهم تجاه هذا الفكر الخبيث، وفي مارس الماضي سنحت لي الفرصة بلقاء مجموعة من مسؤولي الأمن السعودي المخلصين، كانوا يؤكدون أن الأساس هو وعي المجتمع «نحن لا نستطيع أن نقوم بدور وزارة التربية والتعليم ولا بدور وزارة الشؤون الإسلامية، على الجميع أن يضطلع بدوره، هناك تقصير كبير، ونحن نشعر بالخذلان»، ويؤكد مصدر أمني رفيع أننا نسعى لإقناع الأهالي بأن يقوموا بدورهم برفع دعوى أو التبليغ عمن يجندون أبناءهم ويحرضونهم على الانخراط في القتال في أماكن الصراع، نشجعهم على رفع الدعاوى ضد من يتورطون في ذلك، ولكننا مع الأسف لم نتلقَ حتى الآن أي تحرك في هذا الاتجاه! ونحن لا يمكننا أن نتولى مهمة ليست لنا، إذا جاءت التوعية من قبل الشخصيات المؤثرة اجتماعياً من المعلمين، ومن الخطباء، ومن الأعيان، ومن المثقفين فإنه يمكننا أن نقول إن الحرب ضد الإرهاب قد آتت أكلها».
منذ تولى وزير التربية والتعليم الأمير خالد الفيصل مهامه اضطلع بهذا الواجب، فقد وضع خادم الحرمين الشريفين فيه كل ثقته، وما أعلن عنه في الأسبوع الماضي حول تأكيد الوزير على مديري المناطق التعليمية على الإبلاغ عن كل من يلحظ عليه نشاط مشبوه من المعلمين أو الموجهين هو بعض مما جرى ويجري منذ قرابة ثمانية شهور.
يبقى أن وزارة الشؤون الإسلامية لا تزال سادرة ونائمة، فثلاث سنوات من الندوات والمحاضرات والأنشطة حول نشر ماسمي بـ«الفكر الوسطي» انتهت في أواخر 2013، وقد ألقيت في عدد من مناطق المملكة، وحصلت المنطقة الوسطى على نصيب الأسد منها، لم تعلن حتى اليوم نتائجها، ما الذي تحقق، وما الذي تغير، وما نتائج هذه الأنشطة التي استهدفت أئمة وخطباء وسيدات ممن يمارسن مهمة الدعوة والتوجيه. أربعة ممن ألقي القبض عليهم في خلية «تمير» هم من موظفي وزارة الشؤون الإسلامية، التي يبدو أنها اضطرت أخيراً أن تنطق.
يمكننا تذكر كيف كانت سياسة الدولة تجاه ثلاث سيدات من مدينة بريدة نشطن منذ ثلاث سنوات في التحريض والتأييد والتجمعات، ومع سياسة طويلة النفس كانت مزيجاً من الرحمة والحزم، والتأهيل والتوبيخ والرعاية، استهدفت أن يثور الناس لحماية أبنائهم وردع المنحرفات من بناتهم، واكتشف الناس أخيراً أنهم رأس الحربة في القضاء على هذا الفكر الخبيث. لقد كان الدور الإصلاحي الكبير الذي اضطلع به كبير وجهاء منطقة القصيم الشيخ صالح العبدالله التويجري وغيره من الأعيان تجاه هذا البلاء عاملاً كبيراً في انحسار هذا البلاء.
يقول المحامي صالح الدبيبي: «هذه الوقائع تذكرنا بما فعله الإيطاليون في صقلية في ثورتهم ضد المافيا وزعمائها في 1992، فقد ثارت الأمهات والآباء والشباب والصبايا ضد منظمات إجرامية استطاعت لعقود ثمانية أن تبني ثقافة ومجتمعاً يحميها ويتستر عليها ويتواطأ معها، حتى حانت ساعة الصفر».