منصور النقيدان
اتخذت المملكة العربية السعودية موقفها التاريخي ضد حكم «الإخوان المسلمين» في مصر، وضد التنظيم، إثر «الربيع العربي» والظلمة التي حلت بمصر وجثمت على شعبها عاماً كاملاً، وظهرت فيها أيادي «الإخوان» والدمار الذي عاشته مصر بعد ثورة 25 يناير. وفي الداخل استشعر المسؤولون السعوديون جميعاً خطر «الإخوان المسلمين» بعد أن اتضحت مواقف «الإخوان» في الإنترنت وفي التحريض والتشجيع والبيانات التي كانت تحرض على ما سمي بثورة حنين مارس 2011، وجاءت السنوات الثلاث الأخيرة لتؤكد هذه المخاوف.
يمتاز الملك عبدالله بأنه يميل إلى التدين البسيط، المنفتح والبعيد عن التشدد، ومن هذا يمكن تفسير موقف جلالته عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر في نوفمبر 2001، حينما اجتمع بالعلماء في مجلسه، وهو ولي للعهد ينوب عن الملك فهد في إدارة شؤون المملكة، وأذاعه التلفزيون الرسمي حينما قال لهم: «لا تحرجونا مع العالم، الدين يسر، يسّروا ولا تعسّروا، بشروا ولا تنفروا». وتجلى ذلك في قراراته وإصلاحاته الكثيرة في القضاء وضبط الفتوى وفي دعم حقوق المرأة وغيرها، والحوار بين الأديان، وفي إصلاح القضاء، وفي توسعة الحرمين التي قابلها رئيس مجلس القضاء الأعلى صالح اللحيدان بالمعارضة العلنية للملك، وحرص على تأليب العلماء وحشد المعارضين، مما تسبب بإقالته من القضاء، وهو القرار الذي ظن البعض أنه سيتسبب بثورة واضطرابات في البلاد وسخط طلاب اللحيدان وأتباعه. أعلنت وسائل الإعلام القرار ومنع اللحيدان بعدها من الظهور في التلفزيون الرسمي، ثم منع من الظهور في أي وسيلة إعلامية.
يمكن فهم مدى إمكانية تجريم ومعاقبة كل من ينتسب إلى «الإخوان المسلمين» بالنظر إلى التاريخ القريب، أي بالنظر إلى كيف طبقت القرارات والأوامر الملكية طوال السنوات التسع الماضية من حكم خادم الحرمين الشريفين.
علينا أن نتذكر أن إصلاحات جلالة الملك في السنوات الأربع الأولى من حكمه، كانت تواجه بالهجوم والتحريض والإنكار عبر الإنترنت ومواقع الدردشة وفي أشهر موقع عربي حينها (الساحات العربية، والوفاق). حيث كانت تشن من هذين الموقعين حملات التشكيك في إخلاص ودين المحيطين به، والهجوم على أهم الشخصيات التي وضع فيها ثقته لتنفيذ الإصلاحات، وكانت هذه الحملات بأسماء صريحة وأخرى مجهولة، ولكن تلك الحملات توقفت إلى حد كبير جداً في 2009.
كانت الحملات التي كانت تشكك في إصلاحات الملك يقوم بها دعاة، وناشطون من «الإخوان المسلمين»، و«السروريين»، وناشطون إنترنتيون من الصحويين، ومنهم مجموعات «جهادية» كانوا ممن أوقفوا في قضايا أمنية، ولكنهم جعلوا من الهجوم على إصلاحات الملك -مع تجنب المساس بشخصه مباشرة- هدفاً لهم. وكان لهم اجتماع شهري في حي الروضة شرق الرياض، يتدارسون فيه خطط الحملات وتوزيع المهام.
إن معرفة كيف سيكون تعامل السلطات السعودية مع «الإخوان المسلمين» في السعودية هو مبني على معرفة التاريخ القريب لكل الأوامر والقرارات الملكية التي صدرت سواء ضد كل من يصدر فتوى وليس مخولاً بذلك، أو في تطبيق قرار مجلس الوزراء بفصل وإيقاف أي موظف حكومي يقوم بالتوقيع على البيانات السياسية، وهما قراران لم يفعَّلا، ولم يطبقا على كل من قام بمخالفة القانون.
كانت هناك على الدوام حدود للتمرد يمكن ضمنها تحمل الأشخاص المتورطين في تلك المخالفات، مع الحرص على عدم كسر الناموس الذي يجعل حتى من مسؤولين أقوياء غير قادرين على صرف الأنظار عنه في حال تجاوز الأدب، واستحقاقه للعقاب.
في السنوات الأخيرة كان معظم الذين حوتهم السجون من «الإخوان المسلمين» هم أولئك الذين أظهروا أطماعهم السياسية وأعلنوا تمردهم وكراهيتهم للعائلة المالكة، ولكن ما دون ذلك من ميول وتوجهات غير مرغوبة فهو محتمل ويمكن احتواؤه أو توظيفه واستثماره.
ولهذا فإن المتابعة للصحف السعودية وشبكات التواصل الاجتماعي توضح أنه منذ صدور القرار فإننا نقرأ ونتابع أخبار القبض على المتهمين بالإلحاد والمستهزئين بالقرآن الكريم، ولكننا حتى اللحظة هذه لم نقرأ خبراً عن استدعاء أو توقيف أي من «الإخوان المسلمين» لكونه عضواً، أو «إخوانياً» بالفكر والعاطفة والميول، أو لكتاباته المسيئة إلى الدول الشقيقة لموقفها من «الإخوان المسلمين»، ومن محركات الشتاء العربي الذي استحال ظلاماً ودماراً.