منصور النقيدان
هناك توجّه في واشنطن إلى الاعتقاد بالـ«تعميمات» حول ما يظنّه كثير من الأميركيين من سياسيين وناشطين أن المنطقة العربية تحتاجه، وحين يتمّ تحديد هذه الاحتياجات، فإنه يتمّ رسم المشاريع والبرامج وفقها، وفي كثير من الأحيان نجد أنها تسببت بمشاكل وأزمات وضعت خيرة أبناء المنطقة العربية في دائرة الشكوك والاتهام.
وحسب «تالي هيلفونت» مديرة برنامج الشرق الأوسط في معهد أبحاث السياسات الخارجية، فإنه ينتج عن هذا عدد من المشاكل للقائمين على البرامج في الجانب الأميركي، وأيضاً للمستفيدين من المشاريع في المنطقة العربية. ومن المفارقات أنّ هذه المشكلة تسببّت مرات عديدة بعدم قدرة أصحاب المبادرات على التمييز بين الجهات التي تتلقى الدعم، فيتم تعزيز أطراف لها أجندة ومنظورات تخالف المصالح الأميركية والمصالح الأمنية للبلدان المضيفة واستقرارها.
وتشير «هيلفونت» إلى تعقيدات أخرى تواجه هذه المشاريع، وهي التفكير السائد في الأوساط الأميركية، بأنّ القيم التي يقدرّها ويعيش وفقها الشعب الأميركي يجب أن يتم تصديرها وتطبيقها في مناطق أخرى، حيث يتم رسم المشاريع وفق هذه الفكرة، وهذا يؤدي أحياناً إلى مشاكل خطيرة في تجاوز الخطوط المحلية الحمراء الخاصة بهذه المجتمعات التي تصيبها خيبة الأمل، حين تشعر بأن القيم الإنسانية العظيمة التي كانت شعار ورسالة هذه البرامج لم يتم تحقيقها كما وُعدوا.
إذن المطلوب هو إعادة النظر في الأهداف والمنهجية الأميركية في المنطقة لتفادي الحصول على هذه النتائج غير المرغوب فيها، حيث يتم الفصل الجذري بين «نشر الديمقراطية» ونشر «الإصلاح المنهجي» الذي يأتي لصالح الحكومات والمجتمعات، ولا يجعل من شباب المنطقة خونة ولا أدوات لتحقيق أجندة تعود على بلدانهم بالوبال، فقد شهدت الولايات المتحدّة ردود فعل سلبية جداً من الدول والشعوب العربية التي ظهرت بعد «الربيع العربي» تجاه نشر الديمقراطية بسبب التجاوزات التي تعرضّت لها المنطقة في عهد بوش الابن.
ويؤكد على ما سبق «آدم غرفنكل» محرر مجلة «أميريكان أنترست» الذي يرى أن الجانب الأميركي الذي يخطط سواء كان حكومياً أو أهلياً، يفرض على المجتمع العربي أحياناً ظروفاً وافتراضات تناسب بلاده ويخطئ في تشخيص احتياجات البلد العربي المضيف ومدى تقبّل المجتمع للتغيير. وغالباً ما يجهل الأميركيون مدى التفاوت في الثقافات بين الناس ومدى تأثير هذه الاختلافات على علاقات الشراكة، كما لا يسعى الأميركيون كثيراً لاستثمار الوقت الكافي في فهم الثقافات الأخرى، ولذا فهم لا ينمّون «الإدراك الفطري» للواقع الاجتماعي الذي ينتج من المعرفة الحميمة لأية بيئة اجتماعية، حسب «غرفنكل».
ولهذا يؤكد «غرفنكل» أنّ هناك صنفاً من العرب العاملين في المنظمات غير الحكومية اتخذوا من هذا العمل تجارة مربحة، فهم يعتمدون على التمويل الغربي وهم على أتمّ الاستعداد لقول ما يتمنى المتبرعون الأميركيون سماعه، وهكذا فإن النتائج التدريجية التي يمكنها أن تبين طبيعة ردة الفعل يتم إسكاتها.
لو جمعنا كلاً من الجهل الثقافي والتواصل السيئ مع المجتمعات والاستراتيجيات غير المدروسة وفشل المشاريع في تحقيق أهدافها، فإن هذه المعطيات السلبية تغذي نظريات المؤامرة وتجعل المجتمعات أكثر ريبة وتخوفاً حتى من البرامج التي يمكن لها أن تعود بالنفع الكبير عليها، وهنا يمكننا تفهم السبب الذي يجعل من رؤيتنا في المنطقة العربية مشوشة عن الآخر وغير واضحة.