منصور النقيدان
يسعى عشرات من الخبراء والمفكرين والباحثين الغربيين إلى التأكيد على الجوانب المشرقة التي قدمها المسلمون للحضارة البشرية، إنهم أبناء ديانات متعددة ولكنهم مؤمنون أن أحد العوامل الرئيسة لنشر السلام واكتساب الثقة وطمأنة الآخرين هو أن تظهر المشتركات البشرية، وكيف أسهم الآخرون أيضاً في بناء هذه الحضارة الحديثة والتقدم الإنساني الذي تعيشه الإنسانية اليوم. وكم هو رائع ومثير للمشاعر أن نجد هذه المشاريع العظيمة يعمل عليها مزيج من أبناء الديانات الإبراهيمية، لأن هذه النخبة من الحكماء تؤمن بأن عليها رسالة لا بد من تقديمها، وهي أن تسهم في ترسيخ السلام والانسجام وإزالة الضغائن في مجتمعات متنوعة ومتعددة، خصوصاً في لحظة تاريخية استثنائية يعيش فيها أبناء الديانة الإسلامية ضغوطاً كبيرة بسبب ما تعيشه منطقتنا من احتراب وإرهاب وفكر متطرف يتمدد بشكل مفزع.
السلام هو ما يحتاجه البشر، هو ما نحتاجه نحن المسلمين لأنفسنا وللآخرين الذين يعيشون بين ظهرانينا. «السلام عليكم» هي تحية الإسلام التي رسخها بين أبناء مجتمع الجزيرة العربية الذي كان متحارباً تفتك به الثارات والحروب والانقسامات، ثم أشاعها بين أبناء الشعوب والحضارات التي عاشت قروناً تحت مظلة الإسلام. السلام يعني أنك تعلن للطرف الآخر أنك أهل للثقة، ألا يخاف منك، ألا يكون متوجساً منك، أنك أخ له.
إن وظيفة الساسة والمفكرين والكتاب والشخصيات المؤثرة دينياً واجتماعياً اللحظة هذه هي بذل الجهود المضاعفة لرأب هذا الصدع الذي يتعاظم وينخر في العقول والأرواح. حكماء العالم أصبحوا يدركون أن مشكلة الإرهاب هي أكثر خطورة من أي وقت مضى.
المئات من أبناء الدول الأوروبية من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وأميركا، أصبحوا متورطين في الإرهاب والحروب الأهلية التي تعيشها سوريا والعراق اليوم، وحينما يعودون إلى بلدانهم التي يحملون جنسيتها يكون خطرهم مضاعفاً ويتطلب عملاً مضنياً لا تكفي فيه الحلول الأمنية من دون مراعاة كل العوامل الأخرى الثقافية والدينية التي قد يجد فيها أحياناً بعض الساسة أدوات يمكنهم أن يوظفوها لخدمة أهدافهم الحزبية والشخصية على حساب انسجام مجتمعاتهم. في الغرب متطرفون يستفيدون من أجواء الخوف، تماماً كما نجده في عالمنا الإسلامي.
اليوم يشعر الغرب بأن المتشددين من أبناء المسلمين يمكنهم أن يسهموا في تغذية التطرف داخل أوروبا، لقد أصبح التطرف مشكلة داخلية، ولم يعد مشكلة عالمنا الإسلامي، ولكن هذه الظاهرة -التي تكاد تنحسر فيها الحدود بين الإسلام السياسي «المعتدل» وبين الإرهاب- ينبغي ألا تحملنا على تجاهل أن الداء الفتاك الذي يخلق البيئة الحاضنة هو الكراهية الدينية التي لا تعود إلى أسباب سياسية في جذورها، وإنما تستند إلى إرث ضارب بجذوره في التاريخ، وهذا البلاء الذي يستشري اليوم يتمدد حتى خارج حدوده الجغرافية التقليدية.
حتى بعد قرون شهدت فيها الإنسانية هدوءاً نسبياً في الاحتراب بين أبناء الديانات، فإننا نشهد اليوم كيف أن الأمر من الهشاشة بحيث يمكننا أن نتوقع دائماً ارتكاسة، فالحربان العالميتان الأولى والثانية كانتا شاهدتين على ذلك نحو الأرمن ونحو اليهود، واليوم نحو المسلمين في ميانمار. تشعر الأقليات دائماً في عالمنا الإسلامي بأنها عرضة لأي أعمال انتقامية عقب أي أزمة أو اضطراب، والآن تشعر الأقليات الدينية من غير المسلمين في العالم الغربي أيضاً الشعور نفسه، وإذا كنا نجد نخبة من العقول المؤثرة والساسة مؤمنون بأن من حق المسلمين عليهم أن يظهروا عظمة حضارتهم، فإن علينا نحن أيضاً أن نقوم بدورنا وألا نكتفي بما يجب على الآخرين فعله تجاهنا، بل بما هو رسالتنا نحو إخوتنا في الإنسانية، إن كنا نريد العيش بسلام ووئام.