منصور النقيدان
قبل سنتين طلب مسؤول تعليمي خليجي من مسؤول أمني كبير أن يساعده في الرقابة داخل الفصول المدرسية على المعلمين الذين يحيدون عن واجبهم وينحرفون بالمنهج عما وضع له، ويرسخون الأفكار المتطرفة التي تسببت بانحراف الشباب الفكري واستغلالهم في الحروب الأهلية، وزرع الكراهية والحقد على أبناء وطنهم الذين يتبعون مذهباً دينياً مختلفاً أو لهم توجه فكري لا يروق للتيار الديني السائد. لقد كان هذا المسؤول يطالب بوضع كاميرات مراقبة داخل الفصول مربوطة بأجهزة الأمن، ولكن هذا الاقتراح تسبب باستياء من صاحبه الذي علق قائلاً «إنك حين توظف مدرساً يضيع 90% من الحصة لغرس الفكر الغالي المتطرف في أذهان الطلاب، فإن تبعة هذا القرار تقع عليك أنت، وهي مسؤوليتك أنت وليست مسؤوليتي، عليك أن تقوم بواجبك، وتبعد أمثال هذا المدرس عن مجال التدريس، ولا تجعلنا درعاً يتلقى الضربات نيابة عنك».
إن التعليم ليس هو فقط بناء المدارس وتدريب المعلمين وتنقية الإدارات، ففي النهاية، التعليم هو المجتمع الذي سيتكوّن منه ثماره، وكما يقول شاعر الهند العظيم «رابندراناث طاغور»: «إنّ التعليم الأسمى هو الذي لا يقدم لنا المعلومات فحسب، بل يجعل حياتنا متناغمة مع كل شيء».
وكما يوضح «إيب رادكن» مستشار «اليونيسكو» لحوار الأديان أن التعليم يشمل في المجتمعات التعددية ثلاثة مفاهيم رئيسية، هي: أولاً، معرفة المفاهيم، والأنظمة المدنية ومعرفة نهجها. ثانياً، مهارات المشاركة المدنية وحل المشكلات والتفاوض. ثالثاً، إنماء الشعور بالانتماء إلى الوطن وللقيم والأخلاقيات المشتركة التي تجمع الشعب. إن الهدف من التربية الوطنية والمواطنة هو لتنمية مواطنين يتحملون المسؤولية، ويدركون ما لهم وعليهم من حقوق، ويستفيدون من هذه المعرفة في تقييم أو تبرير سياسات وممارسات الحكومة. وهكذا فإنّ المعلمّين والمشرفين على النشاطات المدرسية يعلّمون تلاميذهم روح المواطنة حين ينقلون لهم قيم الشعور بالمسؤولية والتعاون واحترام التنوّع. وتربية المواطنة هذه يجب أن تقدّم بشكل مرادف مع ثقافة السلام التي تعرّفها اليونيسكو على أنها «مجموعة من القيم والسلوكيات وأساليب العيش التي ترفض العنف وتتفادى النزاعات عن طريق تناول جذور المشكلات وعلاجها بالحوار والنقاش».
إن التسامح تجاه الديانات والأقليات، واحترام حرية معتنقيها في ممارسة شعائرهم، والحريات الاجتماعية ودعم المرأة والتنمية، والإنفاق على التعليم، هو ما سيساعد شعوب المنطقة للوصول إلى بر الأمان. ليس هناك أكثر تأثيراً ولا أبلغ من التعليم بالقدوة، أي أن يرى الإنسان أمام ناظريه مجسداً على الأرض ما يتعلمه في المدرسة، لقد كان الحدث الكبير الذي شهدته الإمارات قبل أسابيع ممثلاً في افتتاح الكنيسة القبطية وزيارة البابا تواضروس، هو ترجمة لكل ما نسمعه ونقرؤه عن التسامح والوسطية. ومن أمارات السعادة لأي مجتمع أن تنسجم الرفاهية والأمان والاستقرار والنهضة العمرانية مع الموقف من أبناء الديانات والأقليات.
ويؤكد «رادكن» أن التعليم بأوسع نطاقاته عملية متحركة طويلة الأمد وتجربة عمرٍ كامل يوفّر للأطفال والبالغين القدرة على فهم واحترام القيم والحقوق المتفق عليها عالمياً، ويتطلّب مشاركة من الجميع وعلى جميع المستويات من الأسرة والمدرسة ومكان العمل وغرف الأخبار وساحات اللعب (المجتمع والأمة).
إن الإمارات اليوم تقدم للعالم رسالة واضحة، وهي أن السلام والانسجام والتماسك الاجتماعي تعمل على دعم التنمية الاقتصادية للبلد؛ لأنها تتبنى شروطاً تساعد التجارة والاستثمار، وبالوقت نفسه فإن التجارة لها دور كبير في تعزيز السلام والتناغم الاجتماعي.