(صلاح) شاب مسلم ومتدين، يقول إنه بعد التفجيرات الأخيرة في الرياض تعاظمت لديه شكوك كثيرة، لهذا هو حائر ماذا يفعل في رمضان؟ كيف يعيش روحانية الدين؟ كيف يمارس العبادات، في مجتمع محافظ متشدد، يحصي عليك حتى الأنفاس؟ صلاح يتساءل هل بإمكانه أن يحتفظ بإيمانه ويمارس الدنيوية في حياته؟
قد تكون الطريقة التي يُمارس بها الدين في مجتمعاتنا جافة تعكس التزاماً بالتقاليد والأعراف الاجتماعية أكثر مما هي قناعة حقيقية واختيار ورغبة نابعة من الذات، وهذا ما يجعل البعض يعيش هذا التمزق الذي ألم بصلاح وربما العشرات ممن لا يستطيعون الإفصاح.
حسناً. يبدو أن صلاح عنده فهم مغلوط في تصوره لواجبات الدين وشعائره، وفي تصوره كذلك للعلمانية أو الدنيوية.
بإمكانك أن لا تكون متديناً، وتصبح أكثر دنيوية؛ ولكنك في الوقت نفسه مؤمن، تمارس من طقوس الدين ما يتماشى مع هويتك ويمنحك الانسجام والتناغم مع من هم حولك.
قبل ذلك بإمكانك أن تكون مسلماً جيداً، مظهرك جميل. لحيتك ليست بشعة، لست إرهابياً متطرفاً، ويكون لك فهمك الخاص لوظيفة الدين في المجتمع.
ولكن، من قال إن الإنسان بين خيارين لا ثالث لهما: إما أن يكون مؤمناً ومتديناً حسب فهم خاص للدين مرتبط ببقعة أو ثقافة إقليمية ما، أو وفق رؤية مذهبية أو طائفية، أو أن يكون ملحداً أو غير مؤمن أو علمانياً؟ – إذا سلمنا بهذه العلاقة المتنافرة ما بين الإيمان والعلمانية -.
هناك دوائر أوسع لفهم الدين وتفسيره، ولسماحة الشريعة وتصور حقيقة الايمان ودوره في حياة الفرد والمجتمع. هي تفاسير ومدارس في اسوأ أحوالها لا تصل بالإنسان إلى أن يكون لا دينياً أو عدمياً.
الإيمان شيء جميل. يبعث فينا العنفوان وحب الحياة، ويسعفنا لفهم ما يدور حولنا من ظواهر ونواميس كونية نجهل غاياتها، وتعجز عقولنا الواهنة عن تفسير لها. أليس ذلك خيراً من التيه والحيرة، حتى ولو كان وهماً؟
إن الله يكفيه منا أن نحمل الشعلة في قلوبنا. أن نكون دائماً على أهبة الاستعداد للعكوف بمحرابه. لنقدم شيئاً (لعياله) لعباده فهو غني عن عبادتنا.
الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يذكر أن رجلاً دخل الجنة لم يعمل خيراً ولا حسنة في حياته، وارتكب الكثير من الذنوب. ومع ذلك دخل الجنة لأنهم وجدوا له بطاقة يعلن فيها صادقاً مخلصاً عن حبه له وإيمانه به: (لا إله إلا الله).
كما يحكي الرسول لأحد أصحابه أنه يأتي وقت لا يعرف الناس من الإسلام إلا الشهادتين، ومع ذلك يكونون مؤمنين صالحين يستحقون دخول الجنة.
يكفيكم من رمضان أن تكونوا بعيدين عن أذى الخلق وظلمهم. أحسنوا إليهم. اعطفوا عليهم.
اقتربوا من ضعفهم وامسحوا دموع البؤساء منهم. وأشفقوا على الأيتام.
أديموا النظر في الصور التي نشرتها الصحف عن ضحايا التفجيرات الأخيرة.
عن لعب الأطفال الذين قضوا.
والأبرياء الذين فاضت أرواحهم.
والعروس التي لم تكتمل فرحتها.
لتعلموا أن ديناً لا يسعى لسعادة الإنسان، لحفظ مصالحه الحقيقية، ليس إلا وبالاً، وتذكروا قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “إن هدم الكعبة أهون عند الله من سفك دم مؤمن”، كل المؤمنين من كل الأديان “إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً).
الايمان عندي هو كثير من الإنسانية قليل من الرهبانية.
ربما يكون لحياتنا طعم آخر.
ابحثوا عن الجمال والروحانية في الطبيعة. وفي الموسيقى الهادئة ساعات السحر، وفي صوت عبدالباسط حينما يقرأ القرآن ويرفل في صوته الملائكي، الروحانية ليست في السجود وقراءة القرآن فقط. بل حتى في الحب الصادق. اكتشفوا الإيمان لدى المؤمنين الآخرين. ربما تعلمون أنكم تتفقون معهم في معظم ما يقتلهم الإرهابيون لأجله، قد نعود بعدها بفهم أكثر اعتدالاً، وتكون نفوسنا أكثر هدوءاً .
جريدة الرياض 16/11/2003