منصور النقيدان
عشية ما سمي بحركة حنين في 11 مارس 2011، كان المرحوم ولي العهد السعودي السابق الأمير نايف بن عبدالعزيز، عميق الإيمان بأن العقول المدبرة، التي كانت تحرك قطعاناً من الشباب الحانقين سوف تصاب بخيبة أمل، ولكنه كان يعرف ما واجهته تونس ومصر والبحرين واليمن. ليلتها سأل الأمير واحداً من رجاله الأمناء: ما رأيك فيما يحدث؟ فكان جوابه: «سيدي نحن حديقة آمنة وسط حرائق تحيط بها، سنجتاز بعون الله كل هذا، ولكن لابد من أن ينالنا بعض الشرر». ولا تزال السعودية والإمارات، ودول الجزيرة العربية، تواجه المؤامرات والمكائد التي استثمرت في قلة من أبناء الوطن واستلبت عقولهم، ليكونوا أدوات تخريب ضد أوطانهم.
منذ سنتين ونصف السنة تعيش منطقتنا العربية اضطرابات وانهياراً في الأنظمة، ومجازر ذهب ضحيتها الأطفال والنساء والأبرياء. ونحن ندرك كم هي نعمة كبرى أن ما يشغل أطفالنا في الخليج ليس البحث عن حضن دافئ يؤويهم من التشرد، ولا رغيف خبز يسد جوعهم، ولا قطعة قماش تستر عوراتهم، بل نجد فلذات أكبادنا مشغولين بترويج أهداف نبيلة سامية، تسهم في الأمن والاستقرار، حيث تطوع 10 أطفال إماراتيين بإصدار فيلم قصير، أعد بطريقة تعليمية جاذبة، لتوعية أكبر شريحة من المجتمع ببناء ثقافة قانونية وبيئة داعمة لسيادة القانون.
وقد جاء عنوان الفيديو «معاً لبناء ثقافة احترام القانون» -كما نشر في الصحافة- دعوة لأفراد المجتمع إلى الالتحام، وأن يكونوا قدوات صالحة في بناء ثقافة احترام القانون عبر مجموعة من القواعد والمفاهيم القانونية التي تعمل على تثقيف وتحفيز الجمهور، خاصة الأطفال، بتعلم قواعد الحقوق والواجبات، باعتبارها سمة من سمات الحياة.
إن الهدف هو أن يكون احترام الناس للقانون نابعاً من الذات وليس لأنه قائم وملزم وتجري معاقبة من يخالفه، وأن يعي أفراد المجتمع أنهم هم الشطر الثاني المكمل لدور الحكومة وسلطاتها، وأن العبء الأكبر يقع على الأفراد. في إحدى الولايات الأميركية أثبتت الدراسات أن 80 في المئة من الجرائم التي تحقق فيها الشرطة يتم كشفها بواسطة أفراد المجتمع الذين يتجسد دورهم في التبليغ والاستعداد لأداء الشهادة.
وفي الشرق الأوسط تتجسد المشكلة في تضافر مزيج من العوامل في إضعاف أو انعدام ثقافة احترام القانون على مستوى الأفراد والمؤسسات، مثل الإرهاب المنظم النابع من ثقافة متشددة لا تؤمن بأي مرجعية أخرى، بالإضافة إلى خليط من الأعراف والتقاليد التي تحتل أحياناً مكانة أقوى من القانون مع ضعف النظام التعليمي وتشوه الثقافة الاجتماعية. ولكن مع تعدد هذه المشاكل والاختلافات والفروق الثقافية والحضارية فإن ترسيخ ثقافة احترام القانون يقوم على عجلتين: مؤسسات الحكومة التشريعية، والقضاء، والمؤسسات المسؤولة عن تنفيذ القوانين مثل الشرطة والأمن. والثانية أفراد المجتمع والمؤسسات التعليمية والتربوية، والقيادة الأخلاقية في المجتمع.
كما أنه من المهم في ترسيخ هذا الوعي التأكيد على المسؤولية الشخصية وتأثير الخروقات الفردية للقانون في تشكيل وعي مجتمعي لا يحترم القانون، وأن الأخطاء الصغيرة بين الأفراد هي التي تصنع الأخطاء الكبيرة في مؤسسات الحكم ولدى الأشخاص النافذين.
يتجسد المثل الأعلى المرجو أن يبلغ إيمان الأفراد باحترام القانون مستوى يقارب ثقافة العيب التي تحول بين الإنسان وبين ارتكاب الخطأ، وإن كان بعيداً عن الرقابة الاجتماعية وفي منأى من العقاب، وأن يكون النبذ والعزل الاجتماعي مصير كل من يخرق القانون، وهنا يأتي دور الأعراف والتقاليد الاجتماعية ومساهمتها الإيجابية في صالح ثقافة احترام القانون.
حفظ الله الإمارات، هذه الحديقة الآمنة من كل سوء.
جريدة الاتحاد
الثلاثاء 27 شوال 1434هـ – 03 سبتمبر 2013م