منصور النقيدان
في السنوات العشر الأخيرة تظهر القيادة الروسية وعياً عالياً باحترام حقوق الأقلية المسلمة التي تشكل قرابة 20 في المئة من سكان روسيا، ويأتي الإسلام في أولويات هذه الرؤية التي كشف عنها بوتين أكثر من مرة.
وتعود هذه الرؤية إلى الانسجام بين الإسلام الصوفي منذ عهد القياصرة مروراً بالاتحاد السوفييتي إلى اليوم، ولهذا أصرت روسيا بوتين على أن لها حق العضوية في منظمة المؤتمر الإسلامي، وقد حصلت عليها مؤخراً بصفة مراقب.
ولكن موقف الروس في التسعينيات من القرن الماضي من الانفصاليين الشيشان، ثم الحرب الأهلية في يوغسلافيا السابقة، أيقظ مارد الإسلام السياسي والجهادية- السلفية، التي يجري توصيفها بالخطر «الوهابي»، كما أن لدى الروس على الدوام رؤية راسخة وواضحة حول «الإخوان المسلمين». ولهذا فالروس يبدو أنهم ورثوا تركة الاتحاد السوفييتي تجاه الإسلام السياسي، وهي تعود إلى خبرة تمتد إلى الخمسينيات من القرن الماضي، حيث إن للروس خبرة مبكرة بـ«الإخوان المسلمين»، منذ حكم جمال عبدالناصر، حيث تلقت المخابرات المصرية التدريب على يد المخابرات الروسية، وكانت الصدامات بين الجماعات والسلطة المصرية قد امتدت قرابة عقدين من الزمن، ولهذا كانت روسيا سباقة إلى اعتبار جماعة «الإخوان المسلمين» جماعة إرهابية منذ 2003.
وجاءت تجربة أفغانستان، ثم حرب الشيشان الانفصالية وواجه الروس الجهاديين الانفصاليين لسنوات، واكتسبوا خبرة كبيرة، وتوافرت لديهم معلومات واسعة، ساعدتهم في أن يقدموا النصائح للأميركيين، وتزويد الأميركيين بأسماء كانت تدور الشكوك حول ميولها «الجهادية»، كان منهم اثنان قاما بتفجيرات بوسطن، وكان الأميركيون قد تلقوا تحذيرات متكررة بخصوص الأخ الأكبر جوهر، ولكنهم لم يلقوا للتحذيرات بالاً حتى وقعت الواقعة.
ولكن الروس اليوم يواجهون تمدد «الجهادية» في شمال القوقاز وغيرها، في داغستان وأنغوشيا، والحرب التي تجري الآن في المناطق ذات الأكثرية المسلمة، ضد المسلحين يقودها خليط من أئمة المساجد المتصوفة ورجال الأمن المسلمين والشرطة من مسلمين وغيرهم. وفي ظل نمو ديموغرافي متسارع للأقلية المسلمة، نشأت الأصوات القومية المتعصبة للإثنية الروسية. وهي تتفاقم يوماً بعد يوم، في ظل مقاربة أمنية تتخذها السلطات والحكومات المحلية الموالية لموسكو ضد الأفكار المتطرفة، وتعاميها عن القدرة على الفرز بين السلفية المسالمة، و«الجهادية» التكفيرية.
ويعتمد الروس التعاطي مع الوهابية، ومع جماعة «الإخوان المسلمين»، على أن هذين التيارين هما الخطر الأكبر الذي يمكن أن يصاب بلوثته شباب المسلمين الروس. وغالباً ما يماهي الروس بين الوهابية و«الإخوان المسلمين». وليس لديهم خيط رفيع أو فاصل يميز بين الاثنين. كما أن معظم الخبراء الروس لا يفرقون بين الوهابية الرسمية التي تتبنى الأفكار الجوهرية الإصلاحية للإمام محمد بن عبدالوهاب، وبين بعض تفسيراتها المعاصرة، التي أفرزت التيارات التكفيرية.
ومع ازدياد الأحداث الدامية في داغستان، وشمال القوقاز، ثمة اليوم نقاشات حول حل وسط يسمح بتقنين السلفية/ السنية أو الوهابية المعتدلة، في محاولة لإبعاد جيل جديد من الشباب المسلحين المعروفين بـ«مقاتلي الغابات».
ولكن مع كل ذلك فإن الحكمة التي يتمتع بها الخبراء الروس تجاه الإسلام السياسي، تبدو أحياناً كجرعة زائدة، تتسبب بالتشويش والهوس الذي نراه أيضاً لدى الروس، فالتاريخ الطويل في المقاربة الغربية/ الأميركية للإسلام السياسي، والتحالفات التي رأينا ثمارها في أفغانستان، ثم في أحداث «الربيع العربي»، كل ذلك جعل الروس يجدون خلف كل إسلام سياسي يداً للمخابرات الأميركية، ويد «السي آي إيه» القذرة في صنع الأحداث.
جريدة الاتحاد
الاثنين 05 شوال 1434هـ – 12 أغسطس 2013م