منصور النقيدان
تأملت فيما تداولته مواقع عربية قبل يومين، عن خبر وفاة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون، بعد سبع سنوات من غيبته العميقة فوق فراشه، إلا أنه اتضح أن الرجل لم يزل في غيبوبته. كما أنه لا صحة أيضاً لما روجته مدونات ومواقع عربية من أن دولة خليجية كانت أول بلد عربي يقدم التعازي في وفاة شارون.
كان القصد من إشاعة هذه الفرية التشويه والتشويش، وحشد أكبر طاقة كراهية وغضب وعداء يمكن أن تجلل المواطن الذي يعتز بقيادته وبانتمائه وولائه، بشعور من المهانة والخزي والإحساس بالدونية، ويمكن لهذا الأسلوب إذا سلط نحو فئات معينة من الناشطين الذين ينخرطون في كل هيعة بشكل مرضي وهستيري، إذا سلط عليهم بصفة مستدامة، أن يكون له آثار مدمرة بدفع بعض ضعاف النفوس نحو أفعال وأنشطة تضرهم، وتلحق الأذى بهم وببلدهم وبأحب الناس إليهم. وفي السنوات الثلاث الماضية، تضاعفت نسب الذين يقعون تحت تأثير شبكات التواصل الاجتماعي، وتحول «تويتر» إلى مصدر للأخبار والحقيقة.
«تويتر» تحول إلى أكبر جمهورية افتراضية تعمها الفوضى والأكاذيب، وبؤرة ينسج من خلالها كل ما يمكنك تصوره من شائعات وتخيلات وحملات تشويه، ينخرط فيها أحياناً أشخاص يتوقع منهم أن يكونوا أعمدة للحكمة فإذا بهم يستحيلون مطايا وأدوات تروج عبرهم الشائعات التي تستهدف الأمن القومي، ومصالح البلاد العليا، وتحطم لدى «العامة»، هيبة الحكم، وخوف السلطة.
علينا أن نتذكر أن كل مجتمع يتوافر دائماً على فئة تكون منجذبة نحو هذا النوع من الشائعات المضرة والمسيئة للوطن ولقياداته، لأن الملوك والأمراء والرؤساء والشيوخ في هذا الشرق العربي يكونون محاطين بمستوى كبير من الإجلال والولاء وحسن الظن والثقة الكبيرة، وهيبة الحكم. وفي الإمارات بشكل خاص تحظى القيادة السياسية بمخزون هائل من المحبة والإجلال والشعور بالأبوة والرعاية والحماية، لهذا فإن الهدف عند جماعات معادية هو إحداث الخلل في هذه الثقافة. وذات مرة قال زعيم سياسي كبير من الجزيرة العربية : «إن معظم الإسلاميين ذوي النشاط السياسي، والمحتسبين منهم، مهما أبدوا من حسن نية وتملق ومهما أشعروك بأنهم حلفاؤك، فإنهم ينظرون إليك على أنهم أولى بصولجان الحكم منك».
ولهذا فالشائعات التي تطعن في الثقة، أو النكات التي تظهر المفارقة تكون لقمة سائغة وفاكهة شهية، وعلى الخصوص منها ذات الطابع الغرائبي، أو تلك التصورات المعقدة التي تستبطن حس المؤامرة، في كل ما يدور. وهذا نجده أحياناً نوعاً من العصاب العام الذي يضرب معظم فئات المجتمع وشرائحه، في الأزمات الآنية، أو الحضارية المزمنة، كما هو الحال معنا نحن العرب/المسلمين. ما يثير الاستفهام هو كيف يمكن للإنسان السوي أن ينساق نحو توهمات تجد نقيضها في واقع قائم مجسد وحقائق على الأرض ملموسة ويمكنه التحقق منها. هذا من أعظم أسرار الإنسان، المغرم بالخيال والسحر وتجاوز الواقع، وربما يكون الملل من أسبابها.
في المقابل ثمة نوع آخر من الهوس بالأخطار الماحقة والتهديدات العظمى، يمكن تلمسه إلى حد ما في فئة من الخبراء الذين يكونون معنيين بصيانة البيضة القومية، واستشعار الأخطار التي تهددهم من قبل القوى العظمى المتربصة، وهو شعور نجده طافحاً لدى الخبراء الروس، على الرغم من الرؤى الحكيمة والموفقة التي يستشفون من خلالها الأخطار بشكل أكثر وضوحاً ونقاء من كثير من نظرائهم الأميركيين وعلى الخصوص في إدراك أخطار تنظيم «الإخوان المسلمين» و«الجهادية التكفيرية».
جريدة الاتحاد
الاثنين 27 رمضان 1434هـ – 05 أغسطس 2013م