منصور النقيدان
اليوم تحققت معظم المخاوف، التي كانت حبيسة الصدور، فانبجست من عباءة الأطماع التوسعية والاستحواذ والسعي نحو السيطرة، ومشاعر لإذلال والكراهية التي غذاها التاريخ، كل هذه العواطف والمشاعر القميئة لدى الجميع من أبناء الطائفتين سنة وشيعة، حتى بلغنا هذا الحال.
مايحدث منذ 34 عاماً هو أن ثمة تحولاً كبيراً نتج عنه اختلال في التوازن، الذي ركنت إليه المنطقة قروناً عديدة. قاطرة هذا التحول في اختلال التراتبية بين المذهبين هي إيران الخميني. حتى عقدين لاحقين منذ الثورة، ستكون تركيا الأتاتوركية بعيدة عن الانخراط في هذا الملف، احتاجت تركيا قرابة عقدين لتنهض فيها أحلام قيادة العالم السني. انسلخ من إهاب أتاتورك، عباءة السطان العثماني، كان العثمانيون قد أداروا ظهورهم للشرق والجنوب الإسلامي.
أما إيران التي منحتها حرب السنوات الثمان والحصار صلابة ودهاء وقدرة فائقة على التكيف، والاعتماد على النفس إلى حد كبير. فقد استثمرت كل إمكاناتها لتحويل كل الأوضاع والخسائر وأزمات الآخرين من جيران وغيرهم إلى مكاسب مهما كانت متواضعة. كانت السعودية ولا تزال هي التي استشعرت إلى حد كبير هذا المارد الذي يتململ، وخطره الماحق على مواطنيها وبيضتها السنية، دول أخرى أيضاً اتخذت تدابير لحماية نفسها. في الوقت نفسه، جاءت الصحوة الدينية السلفية والتمدد الأكبر للسلفية في أزهى عصورها في عقد الثمانينيات من القرن الماضي. وكان الإيراينون لايزالون يعملون ليل نهار بلا كلل ولا توقف.
لدى القيادة الإيرانية حماقاتها المدمرة، التي تسببت بعزلة كبيرة للإيرانيين حتى من جيرانهم، ولديهم أزمة كبيرة مع السنة الإيرانيين. القادة العرب أثبتوا دائماً أنهم أكثر تسامحاً مع أقليتهم الشيعية، خلافاً لسنة إيران الذين يعانون وضعاً بائساً، فهم لايتمتعون بزعامات روحية أو مدنية لها ثقلها واحترامها بين مواطنيها ولدى العالم السني، والقوى العظمى.
استثمر الإيرانيون حماقات أعدائهم بذكاء مفرط، مع طالبان في أفغانستان ومع صدام العراق، لعقد صفقات وللتغلغل في المنطق الهشة، ولإيجاد نفوذ يتعاظم منذ 2003 في العراق، ثم في لبنان وفي سوريا التي آتت اليوم أكلها، وأصبحت مسرحاً وحديقة خلفية ومجالا حيوياً لإيران. سوريا لن تعود أبداً إلى ماكانت عليه قبل عامين. لدى القيادة الإيرانية سماكة وجه تساعدهم في الكذب على العالم بخصوص حقوق مواطنيهم من السنة، بينما لانجد لها نظيراً عند جيرانهم العرب، لأنهم لايحتاجونها.
الإيرانيون كانوا صبورين، ومتملقين، ودهاة، أما سخونة الدماء العربية المتشككة من كل الخطوات الإيرانية، فلم يكن لها طول البال الذي كان عند الخمينيين، ولا الرضى بأقل المكاسب. وكل هذا الصراع يجري مستثمراً حمأة الكراهية الدينية.
القضية الطائفية كانت وما زالت وستظل إلى أمد غير معلوم تسقي الجميع من خمرتها، فالبشر لا يستفيدون من تجاربهم، والفتن الطائفية والدينية عرفتها البشرية منذ نشأة الديانات، وعرفها المسلمون في وقت مبكر من الإسلام، ومروا بها في مراحل متعددة من تاريخهم.
إن ما يحتاجه قادة العالم الإسلامي، هو الاعتماد على النفس في حل مشاكل البيت، ومواجهة أزمتهم الدينية العميقة، فأبناء الطائفتين اليوم، يعتقدون أن الانتقام سيشفي مافي نفوسهم، وهم لا يعلمون أن محصلة سعيهم خسران مبين، وأنهم يطاردون خيط دخان. وأن التشريعات التي تساوي السنة بالشيعة في الحقوق والواجبات، وتحاسب كل من يثير الكراهية وتعاقبه، هي الضمانة الوحيدة. فأوروبا عرفت كل هذه الفتن قروناً حتى بلغت رشدها، ونحن خليق بنا أن نتعظ، إن كان فينا حياء من الله ومن الناس.
جريدة الاتحاد
الإثنين غرة شعبان 1434هـ – 10 يونيو 2013م