منصور النقيدان
ilovereform@yahoo.com
” هذا يا أخي طرطور”، سمعتها أكثر من مرة خلال العامين الماضيين، من مواطني دولة عربية بحق رئيسهم الجديد الذي دفعت به الثورة إلى سدة الحكم. وهو وصف قاسٍ يعكس خيبة الأمل والإحباط الذي يحطم واحداً من أفضل المجتمعات العربية تعليماً وتحضراً.
بعد أن أعلن نابليون نفسه إمبراطوراً على فرنسا، قام بتوزيع الدول والمناطق التي احتلها على أصهاره وإخوته، الذين أصبحوا ملوكاً وأمراء. كانت عائلته قبل حفل تتويجه قد عقدت معه اجتماعاً حول الألقاب التي يمكنهم أن يتبجحوا بها بين العائلات الملكية العريقة في أوروبا، وتساءلت أخته كيف ستتقبلهم تلك الملكيات، وهل سيرضون بمساواتهم بهم؟ جاءت إجابته :”سنفعل مثل مايفعلون”.
وقد كانت أم نابليون في البداية الأقل حماسة وهوساً بالألقاب والتحول الهائل الكبير الذي طرأ على حياتها وحياة أبنائها وبناتها. ولكرهها لزوجة ابنها “جوزفين” التي كانت تصفها بأقذع الألفاظ أقلها “الساحرة”؛ قاطعت الأم مراسم تتويج ابنها وزوجته، ولكنها لم تقاوم إغراء الألقاب إلا فترة قصيرة، وألمحت إلى أحد الكاردينالات بأنها تستحق لقبا يليق بها، لهذا قام نابليون بمنحها لقبا طويلاً لاتسمح المساحة بذكره.
إن الأحداث التي نعيشها هذه الأيام هي الأكثر تسارعاً في تاريخ العرب المعاصر، فالأحداث تتسارع على مدار الساعة، واليوم نقرأ ونشاهد ونستمع إلى عشرات التحليلات تستحيل بعد أسبوع او أقل مادةً مستهلكةً لا يمكن الإشارة أو الرجوع إليها، لأنها ارتبطت بلحظتها واستنفدت أهميتها. يبدو كلّ ماحولنا وكأنه ينهال نحو التفسخ بشكل صادم وصاعق. عقود أربعة وكل ماحولنا لايتغير منه إلا رتوش بسيطة وتغييرات طفيفة، واليوم نبدو وكأننا لانريد تصديق ماكنا نتخوفه ونتوقعه ونهمس به ويجلجل في أعماقنا. وتبدو السمة الكبرى للأحداث في منطقتنا، هي تعاظم نسبة محدثي النعمة كل يوم، مبرزة إلى السطح فئة “الطراطير”، الذين يحكمون الشعوب ويستبدون بمقاليدها.
إنه ليس أقسى من أن نجد أنفسنا ممزقين بين عالمين، عالم سالف قضينا فيه الشطر الأكبر من حياتنا، وعالم طارئ حديث جعلنا ننظر إلى عشر سنوات مضت وكأنها قرن تصرّم وانسلخ منه قرن جديد ليس فيه من سابقه إلا الشبه. لهذا نجد شيئا من الخوف المغلف بالحكمة، في كلمات الفيلسوف الدنماركي كريكغارد الذي عاش فترة مضطربة وولد بعد عام واحد من السقوط الأول لنابليون: “الشيء الوحيد الذي يمكنني عمله بأمانة، وهو كل ما أسعى إليه هو الدفاع عن النظام القائم. إن الذي يناقض كل تكويني وشخصيتي هو الثورة”.
هوس نابليون ابن الثورة الفرنسية، بحياة الملوك الذين ثار على عروشهم، دفعه إلى توزيع الألقاب الفخمة حتى على بعض أبناء الخبازين، وسائسي الخيول، كما منح لقب الدوق لخادم كان والده تاجر خمور، وأسبغ لقب الدوقة على زوجة جندي كانت تغسل ملابس الجنود، وحينما خاطبها أحد المشاة بلقبها الجديد، شعرت بالانتفاخ وقالت له:” مارأيك بهذا أيها الكهل؟”. وقد كان أمراء أوروبا وملوكها ينظرون إلى هذا الكورسيكي الذي بلغ سدة المجد وأخضع ممالك أوروبا على أنه لم يكن إلا محدث نعمة، متطفلا على موائد الملوك. وأخيراً، فإن نابليون كان قائداً عظيماً رغم كل عيوبه، وقد مغرماً بالتاريخ، وخصوصا تاريخ العالم الإسلامي، وكان يعيب على الرجال قراءة القصص، مؤكداً أن ” الرجال لايقرؤون إلا التاريخ”.
جريدة الاتحاد
الاثنين6مايو2013
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=72322