منصور النقيدان
قبل يومين تساءل الرئيس الأميركي أوباما “لماذا هذان الشابان اللذان نشآ ودرسا هنا كجزء من مجتمعاتنا وبلدنا يلجآن لمثل هذا العنف؟ كيف خططا ونفذا هذه الهجمات، وهل حصلا على أية مساعدة؟”. هذا السؤال يبدو لا معنى له، فالإرهابيون من كل أمة ومن أي دين ومن أي انتماء فكري، في كل مكان في العالم يلجؤون للعنف ضد مجتمعاتهم التي عاشوا فيها وترعرعوا تحت سمائها، في الهند وتركيا وفي بريطانيا وإسبانيا وفي السعودية وروسيا وفي أميركا نفسها، التي عرفت عشرات الأحداث المشابهة في تاريخها المعاصر، فالحالة إذن ليست خصوصية أميركية.
وهذا السؤال شبيه بسؤال شهير كان عنوان مقالة للكاتب الأميركي المعروف فريد زكريا، بعد تفجيرات نيويورك في 2001. وفريد زكريا مسلم سني من أصل هندي هاجر وهو في السادسة عشرة إلى أميركا، وله ابن اسمه عمر وهو يذكر أن عماته ما زلن منقبات، وقد كان زكريا مرشحاً لمنصب مستشار الأمن القومي فور وصول أوباما إلى الحكم في 2008.
والروس كانوا قد زودوا الأميركيين بمعلومات عن المشتبه الأكبر في عام 2011، وعن ميوله الجهادية، ومع أنه لم تنقض ثلاثة أيام على انتهاء عملية القبض على أحدهما حتى الآن، إلا أن الصورة تتضح أكثر فأكثر، فأحدهما كان يحمل على موقعه مقاطع فيديو لـ”الجهاديين” في الشيشان، ولكن هل هذا كافٍ لكي يقوم بتوجيه كراهيته تجاه الشعب الأميركي، وتجاه المدنيين والأطفال الأبرياء؟ الجواب نجده عند رسلان عم الشقيقين، فتيمورلنك كان قد قام بتكفير عمه مرة في عام 2009، في اتصال هاتفي، وتشير شهادات الأقارب إلى أن الشقيق الأكبر كان يعيش تحولًا في تفكيره نحو التشدد منذ أربع سنوات.
ومن ضمن ما ذكرته الصحافة أن الشقيق الأكبر تيمورلنك كان مهتماً بالاستماع إلى محاضرات جهادي لبناني، إلى جانب اهتمامه بمحاضرات داعية سعودي سلفي. ولكن هذا الداعية معروف بأنه من رموز السلفية التقليدية التي تناصب الإسلام السياسي، والفكر القاعدي العداء، ومعظم محاضراته لا تخرج عن الإطار الكلاسيكي للدروس العلمية، فكيف يمكنه أن يؤثر سلباً على المشتبه به؟
هنا علينا أن نتفادى التشويش، لأنه من الطبيعي لشاب ذكي ومتعلم، في طور التشكل والسؤال أن يتعرف على بعض ما يقال ويشاع عن “القاعدة”، والإسلام السياسي، من عالم دين من المدينة المنورة التي تعج بآلاف المقيمين والطلاب من كل أنحاء العالم.
لدروس التاريخ، سأعود سنوات إلى الوراء . في أكثر من بلد خليجي، وبعد تفجيرات نيويورك في 11 سبتمبر، حيث كانت المدارس والثانويات، والجامعات، والمساجد، تعج بالتأييد والتبريك، ومع ضرب أفغانستان كان التجنيد لـ”القاعدة” يجري في كل ثقب. بعض ضيوف برامج التليفزيون لم يكونوا يخفون تأييدهم المبطن لـ”القاعدة”! الإدانات الباردة تثير الاشمئزاز. كانت باهتة لا حياة فيها ولا رواء. بل كانت مصطنعة. بعد تفجيرات الرياض 2003 اتصل بي صديق كان قد أجرى لقاءات صحفية كثيرة مع شرائح متعددة. قال: لقد أذهلتني كمية النفاق التي نتمتع بها. كلهم يؤيدون تفجيرات أميركا، ويرون المنفذين لتفجيرات الرياض الأخيرة مجتهدين ولكنهم مخطئون. وعند أخذ مشاركاتهم للنشر أدانوا كلهم واستنكروا!
اليوم نعلم أن من يجاهد في سوريا، مرشح أيضاً لأن يرفع السلاح ضد بلده حين عودته، ومؤهل أكثر لأن يكون ذا صلة بأية أحداث مشابهة لما وقع في بوسطن، وأن من يدعم الجهاد في سوريا هو أيضاً لديه الاستعداد للدعم المادي والمعنوي ومباركة مثل هذه العملية التي طالت الأبرياء.
جريدة الاتحاد
22 أبريل 2013م